46/06/26
دوران الأمر بين الأقل والاكثر في المحرمات/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والاكثر في المحرمات
حاصل مسألة الدوران بين الأقل والأكثر في المحرمات:
يرى المحقق النائيني أنَّ الأكثر هو تصوير تمام الحيوان والأقل هو تصوير خصوص الرأس، والأكثر متيقن الحرمة فلا تجري فيه البراءة، والأقل مشكوك الحرمة لأنَّ حرمة المركب - على تقدير حرمته واقعاً - لا تستلزم حرمة الأجزاء فتجري فيه البراءة بعكس الواجبات، وبناءً عليه يجوز للمكلف أن يرسم الرأس ولا يجوز أن يرسم تمام الحيوان.
وأما المُعترض فيلاحظ المنهي عنه - وهو رسم الحيوان – وله فردان: الأول رسم الرأس في ضمن الكل، والثاني رسم الرأس وحده، والأول هو المتيقن لأنه منهي عنه على كل حال، وأما الثاني - هو الأكثر - فمشكوك تجري فيه البراءة، كما هو الحال في الواجبات.
فكل منهما يُجري البراءة في خصوص رسم الرأس، إلا أنه هو الأقل بنظر المحقق النائيني، وهو الأكثر بنظر المُعترض.
أما دعوى انحلال الحرمة المتعلقة بالمركب الى حرمة لكل جزء من أجزائه، فالصحيح هو أنَّ حرمة المركب لا تستلزم حرمة كل جزء جزء من أجزائه بعكس وجوب المركب، وذلك لما تقدم من الفرق بين مبادئ الوجوب حيث تتعلق بكل جزء من أجزاء الواجب وبين مبادئ الحرمة حيث لا تتعلق إلا بالمركب فلا يتصف الجزء بالحرمة الضمنية وإنما الحرام هو الكل، وعليه فالصحيح هو ما ذكره المحقق النائيني ولا يتم الاعتراض عليه.
ولو تنزلنا وفرضنا تمامية هذا الاعتراض فيتحقق الانحلال الحقيقي، أي العلم التفصيلي بحرمة الأقل والشك في حرمة الأكثر، فإذا قبلناه في الواجبات فنقبله هنا، وأما إذا أنكرنا الانحلال الحقيقي في الواجبات وقلنا بأنَّ الأمر دائر بين المتباينين وصرنا الى الانحلال الحكمي - باعتبار أنَّ البراءة تجري في الأكثر ولا تعارَض بالبراءة في الأقل لأنَّ ترك الأقل مخالفة قطعية للمعلوم بالإجمال فلا تجري فيه البراءة - ففي المقام هل يمكن أن يقال بذلك بأن يقال إنَّ البراءة تجري في الأكثر ولا تُعارض في الأقل أو لا؟
الصحيح هو أنه لا يمكن ذلك، لأنَّ جريان البراءة لنفي حرمة الأكثر تعني جواز فعل الأكثر وهذا مما يُعلم ترتب العقاب عليه لأنه مخالفة قطعية، ويمكن أن تجري في الأقل لعدم العلم بترتب العقاب على فعله لأنه على تقدير حرمة الأكثر لا يكون فعل الأقل موجباً للعقاب لأنَّ المخالفة للأكثر تكون بفعل المجموع لا بفعل الأجزاء، وعليه فالبراءة تجري في الأقل هنا لعدم العلم بترتب العقاب على فعله ولا تجري في الأكثر للعلم بترتب العقاب عليه عكس الواجبات، فيصح كلام المحقق النائيني.
هذا ما يرتبط بالبحث السابق.
وأما مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية فذكر الشيخ لها مثالين كما ذكر الحكم فيها وهو وجوب الاحتياط.
وفرض المسألة هو توجه الأمر الشرعي الى مفهوم مبيَّن لا شك فيه لكن مصداقه مردد بين الأقل والأكثر، فالشهر الهلالي واضح مفهوماً لكن مصداقه مردد بين 29 و30 يوماً وهو من الدوران بين الأقل والأكثر، وهنا يجب الاحتياط لتنجُّز التكليف قطعاً والعلم به تفصيلاً، وإنما الشك في تحقق المفهوم فيما لو اقتصر على الأقل، وهذا شك في تحقق الامتثال وهو مورد لقاعدة الاشتغال، مضافاً الى امكان اجراء الاستصحاب عدم تحقق هذا المفهوم لو اقتصر على الأقل.
ويلاحظ عليه:
أما الحكم الذي ذكره فصحيح وإنما الكلام في المثالين، أما مثال الشهر الهلالي فالظاهر أنه لا يدخل في الأقل والأكثر الارتباطيين وإنما يدخل في الأقل والأكثر الاستقلالين لوضوح أنَّ لكل يوم امتثال خاص وعصيان كذلك، فليست من الواجبات الارتباطية.
وأما مثال الأمر بالطهور والشك في جزئية شيء فيه فالظاهر أنه من الشبهة الحكمية وليس من الشبهة الموضوعية، وذلك لأنَّ الميزان في الشبهة الحكمية هو أن يكون مفتاح حلها بيد الشارع وبيان أنَّ هذا الجزء هو من الرافع منها.