« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل والاكثر في المحرمات/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والاكثر في المحرمات

 

كان الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المحرمات وذكرنا أنَّ المحقق النائيني قده قال بجريان البراءة لنفي حرمة الأقل بعكس الواجبات، وهو في مثال التصوير تصوير خصوص الرأس فلا يحرم، وقلنا إنَّ كلامه يبتني على أنَّ الحرمة إذا تعلقت بالمركب فلا تستلزم حرمة كل جزء جزء من أجزائه.

واعترض عليه بعدم الفرق بين الواجبات والمحرمات وأنَّ البراءة في كل منهما تجري في الأكثر، فكما أنَّ الأقل في الواجبات متيقن الوجوب فلا تجري فيه البراءة فكذلك هنا الأقل متيقن الحرمة فلا تجري فيه البراءة، وذلك لأننا نعلم بحرمة تصوير الرأس قطعاً إما بحرمة استقلالية وإما بحرمة ضمنية.

وذكرنا إنَّ هذا الاعتراض يتوقف على الالتزام بأمرين:

الأول: الالتزام بأنَّ حرمة المركب تستلزم حرمة كل جزء من أجزائه.

الثاني: الالتزام بالانحلال الحقيقي في باب الواجبات - كما التزمنا بذلك، بل التزمنا بعدم انعقاد العلم الإجمالي -.

وحينئذٍ يصح أن يقال: إنَّ تصوير الرأس معلوم الحرمة على كل حال إما بحرمة استقلالية وإما بحرمة ضمنية وبذلك ينحل العلم الإجمالي انحلالاً حقيقياً الى العلم التفصيلي بحرمة الأقل والشك في حرمة الأكثر فتجري فيه البراءة.

وأما إذا قلنا بالانحلال الحكمي هناك - باعتبار جريان البراءة لنفي وجوب الأكثر بلا معارض - فلا يرد الاعتراض في المقام، وذلك باعتبار أنَّ فعل الأكثر مما يُعلم بترتب العقاب عليه على كل حال، وأما فعل الأقل فلا يُعلم بترتب العقاب عليه على كل حال لاحتمال أنَّ الحرام هو الأكثر فلا يكون فعل الأقل موجباً للعقاب، وذلك لأنَّ المخالفة للأكثر تكون بفعل المجموع وفعل الأقل لا يستلزم فعل المجموع، وعليه فالبراءة لا تجري في الأكثر للعلم بترتب العقاب عليه، فتجري في الأقل بلا معارض، فيتحقق الانحلال الحكمي وبذلك يثبت ما يقوله المحقق النائيني قده.

والصحيح أن يقال إنَّ كُلاً من الطرفين ينظر الى المسألة بمنظار غير ما ينظر به الآخر اليها، فالمحقق النائيني قده يلاحظ أنَّ تصوير تمام الحيوان هو الأكثر لأنه يشتمل على تصوير الرأس وتصوير باقي الأجزاء وهو متيقن الحرمة، بخلاف تصوير خصوص الرأس فإنه الأقل وهو غير معلوم الحرمة، إذ على تقدير حرمة الأكثر لا يحرم تصوير الرأس بالخصوص لأنَّ تحريم المركب لا يستلزم تحريم كل جزء من أجزائه.

وأما المعترض فيلاحظ المنهي عنه ويرى أنَّ المنهي عنه على تقدير حرمة تصوير الحيوان بتمامه يكون هو الأقل من المنهي عنه على تقدير حرمة رأس الحيوان فقط، وذلك لأنه على الفرض الأول يكون المنهي عنه هو خصوص تصوير الحيوان بتمامه وهو فرد واحد، وأما على التقدير الثاني يكون المنهي عنه شاملاً لفردين وهما تصوير الحيوان بتمامه وتصوير خصوص الرأس، فيكون هو الأكثر من حيث الأفراد، وعليه فالمنهي عنه يدور بين الأقل والأكثر، والأقل متيقن الحرمة بخلاف الأكثر فإنه مشكوك الحرمة فتجري فيه البراءة كما في الواجبات.

ويلاحظ عليه: أنه على تقدير حرمة تصوير خصوص الرأس لا يكون المنهي عنه إلا رسم الرأس سواءً حصل بتصويره وحده أو في ضمن الصورة الكاملة، ويكون ضم باقي الأجزاء إليه من قبيل ضم الحجر الى الإنسان، فلا يكون المنهي عنه على هذا التقدير أكثر من المنهي عنه على التقدير الآخر.

ومن هنا يظهر أنَّ الصحيح هو ما ذكره المحقق النائيني - بناءً على أنَّ حرمة المركب لا تستلزم حرمة كل جزء من أجزائه - فتصوير الرأس ليس حراماً وكذا باقي الأجزاء، نعم إذا صوَّرها فتصوير آخر جزء تكتمل بها الصورة يكون حراماً لأنه تصوير للحيوان بتمامه، فهناك فرق بين الواجبات وبين المحرمات بلحاظ مبادئ الحكم، فالكراهة في المحرمات تنصب على مجموع المركب ولا تنحل الى أجزائه بخلاف الواجبات.

وبهذا ينتهي الكلام عن دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهات الحكمية، فإنَّ الحكم كان هو المشكوك في جميع المسائل المتقدمة.

دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية

تعرض الشيخ الأنصاري قده في الرسائل[1] لهذه المسألة وذكر لها مثالين:

الأول: ما إذا فرضنا تعلق الأمر بمفهوم مبيَّن لكن تردد مصداقه بين الأقل والأكثر، كما إذا وجب على المكلف صوم شهر هلالي وشك في مصداقه بين 29 أو30 يوماً، وهذا دوران بين الأقل والأكثر في الموضوع الخارجي.

الثاني: ما لو فرضنا توجه الأمر بالطهور للصلاة وكان مفهومه مبيناً كالفعل الرافع للحدث لكنه شك في جزئية شيء فيه.

وذكر بأنَّ الواجب في المقام هو الاحتياط وذلك بأن يأتي بالأكثر فيصوم 30 يوماً في المثال الأول، ويأتي بالمشكوك في المثال الثاني لإحراز الامتثال الواقعي.


logo