« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقل التعيين والتخيير/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل التعيين والتخيير

 

كان الكلام في الوجه الرابع من وجوه تفسير حقيقة الوجوب التخييري وهو ما نقلناه عن المحقق العراقي، وذكرنا في مقام التعليق عليه أنه لا بد من اختيار الانحلال الحقيقي وبالتالي جريان البراءة، كما اخترنا ذلك بناءً على الوجه الأول، وذلك بأن يقال بأنَّ سد باب عدم العتق في حالة ترك الاطعام متيقن وإنما الشك في وجوب العتق عند الاطعام، وهذا شك في التكليف فتجري البراءة لنفيه، وبعبارة أخرى ينحل العلم الإجمالي الى العلم التفصيلي بوجوب العتق عند ترك الاطعام وشك في وجوبه عند الاتيان بالإطعام فتجري فيه البراءة.

ولكن هذا الانحلال الحقيقي إنما يتم بقطع النظر عن علم إجمالي آخر أبرزه المحقق العراقي وقد يُدعى عدم الانحلال الحقيقي بلحاظه، وتصويره بأن يقال: إننا نعلم إجمالاً إما بوجوب سد جميع أبواب عدم العتق حتى ما كان مقارناً للإتيان بالإطعام - وهو فرض الوجوب التعييني - وإما بوجوب سد باب عدم الاطعام المقارن لعدم الاتيان بالعتق - وهو فرض الوجوب التخييري - وهذا علم إجمالي يدور بين تكليفين متباينين ويكون منجِّزاً، فلا انحلال.

نعم قد يُطرح الانحلال الحكمي بناءً على مسلك الاقتضاء بأن يقال: يمكن اجراء البراءة لنفي وجوب الأول ولا تُعارض بالبراءة في الثاني لأنّ ذلك يعني التأمين من ناحية المخالفة القطعية والبراءة لا تؤمِّن من هذه الناحية، فتجري في الأول وينحل العلم الاجمالي حكماً.

الى هنا يتم الكلام عن دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الواجبات، وذلك في مسائل:

    1. دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء.

    2. دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط.

    3. دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي.

    4. دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي.

دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المحرمات

ثم يقع الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المحرمات، كما إذا فرضنا إنّ الدليل دلّ على حرمة الغناء وتردد بين أن يكون هو مطلق ترجيع الصوت أو ترجيع الصوت المقيَّد بأن يكون مطرباً، وكما ما إذا دلّ الدليل على حرمة تصوير الحيوان وترددنا في أنَّ المحرم هل هو تصوير تمام بدنه أو تصوير رأسه فقط.

ذهب المحقق النائيني الى جريان البراءة لنفي حرمة الأقل - أي حرمة تصوير رأس الحيوان - بعكس الشبهات الوجوبية فإنَّ البراءة هناك تجري لنفي الأكثر، والسر فيه هو أنَّ الأقل في الواجبات يكون متيقن الوجوب والأكثر مشكوك الوجوب، وفي المحرمات متيقن الحرمة هو الأكثر وأما الأقل فهو مشكوك الحرمة، فتجري البراءة لنفي حرمته وحينئذٍ لا يحرم تصوير الرأس.

واعترض عليه بأنَّ المتيقن حرمته في المقام هو الأقل كما أنَّ المتيقن وجوبه في الواجبات هو الأقل لا كما ذكره، وذلك لأننا نعلم حرمة تصوير الرأس قطعاً إما بحرمة نفسية استقلالية وإما بحرمة نفسية ضمنية، وأما الأكثر فهو مشكوك الحرمة لأنه على تقدير كون الحرام في الواقع هو خصوص تصوير الرأس لا يكون الأكثر حراماً وإن كان مشتملاً على الحرام، كما هو الحال في الواجبات من حيث أننا نعلم هناك بوجوب الأقل جزماً إما بوجوب استقلالي أو بوجوب ضمني، وأما الأكثر فلا علم بوجوبه، لأنه على تقدير كون الواجب في الواقع هو الأقل لا يكون الأكثر واجباً وإن كان مشتملاً على الواجب.

ويمكن أن يقال إنَّ هذا الاعتراض يتوقف على الالتزام بأمرين:

الأمر الأول: دعوى إنَّ حرمة المجموع المركب من أجزاء تستلزم حرمة كل جزء جزء ضمناً، أي أنها تنحل الى حرمات متعددة بعدد الأجزاء كما في الوجوب المتعلق بالمركب من أجزاء، وحينئذٍ يصح الاعتراض لأنَّ الأقل معلوم الحرمة على كل حال إما بحرمة استقلالية وإما بحرمة ضمنية، وأما إذا أنكرنا هذا - وإن سلمنا ذلك في الواجبات لأنَّ مبادئ الحكم في الواجبات تثبت لكل جزء من أجزاء المركب فتثبت وجوبات ضمنية لكل جزء - لأنَّ مبادئ الحرمة ليست كمبادئ الوجوب إذا لا ملازمة بين تعلق المبادئ بالمجموع وبين تعلقها بكل جزء من أجزائه، ولذا لا تتحقق مخالفة النهي عن المجموع إلا بالإتيان بالمجموع، وأما إذا أتى بجزء منه فلا يكون مخالفاً.

وعليه لا يتم الاعتراض إذ لا علم حينئذٍ بحرمة الأقل على كل حال، لأنه على تقدير حرمة الأكثر لا يكون الأقل حراماً ضمناً حتى يقال إنه معلوم الحرمة إما استقلالاً أو ضمناً.

الأمر الثاني: هو أن نلتزم بالانحلال الحقيقي في باب الواجبات لا الانحلال الحكمي، إذ يصح أن يقال إنَّ تصوير الرأس معلوم الحرمة على كل حال إما بحرمة استقلالية وإما بحرمة ضمنية وبذلك ينحل العلم الإجمالي انحلالاً حقيقياً بالعلم التفصيلي بحرمة الأقل والشك في حرمة الأكثر، وأما إذا قلنا بالانحلال الحكمي هناك فلا يرد هذا الاعتراض.

logo