46/06/20
دوران الأمر بين الأقل التعيين والتخيير/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل التعيين والتخيير
كان الكلام في المناقشة الثالثة التي ذكرت على الوجه الأول في تفسير حقيقة الوجوب التخييري، وهي ما نسبه السيد الخوئي قده الى بعضهم، وحاصلها التمسك بأصالة عدم وجوب ما يُحتمل كونه بدلاً عند ترك عدله، أي نفي وجوب الاطعام إذا شككنا فيه عند ترك العتق فيثبت التعيين.
وهذا الكلام مبني على أنَّ صفة التعيينية ليست أمراً وجودياً فالأصل يجري لنفي وجوب الاطعام، وبضمه الى العلم بوجوب العتق في الجملة ينتج التعيين، وذلك لأننا نعلم بوجوب العتق في الجملة ونشك في وجوب الطعام كعِدل له، وبنفي وجوب الاطعام بالبراءة عند ترك العتق ينتفي التخيير ويثبت وجوب العتق تعييناً، هذا إذا قلنا أنَّ صفة التعيينية أمر عدمي.
وأما إذا قلنا بأنها أمر وجودي كالتخييرية فلا يتم ما ذُكر ولا يصح إجراء البراءة لوجهين:
الأول: لأنَّ أصالة عدم الوجوب التخييري للإطعام معارضة بأصالة عدم الوجوب التعييني للعتق.
الثاني: لأنَّ الأصل الجاري في الاطعام لنفي وجوبه التخييري لا يُثبت التعيين إلا على القول بالأصل المثبت، وذلك لأنَّ لازم عدم كون الاطعام واجباً في حالة ترك العتق هو أنَّ العتق واجب تعييني، وليس هذا ترتباً شرعياً يثبت بالأصل وإنما هو ترتب عقلي، فيتوقف على القول بالأصل المثبت.
هذا كله بناءً على الوجه الأول في تفسير حقيقة الوجوب التخييري، وقد انتهينا الى أنَّ الصحيح هو جريان البراءة لنفي الوجوب التعييني.
الوجه الثاني في تفسير الوجوب التخييري:
وهو ما يظهر من السيد الخوئي قده من ارجاع التخيير الشرعي الى التخيير العقلي، وذلك بأن يقال:
إنَّ الواجب هو عنوان انتزاعي وهو عنوان (أحدهما) وكل من العِدلين يكون مصداقاً حقيقياً له فيكون كالتخيير العقلي، وفي المقام يكون العتق مصداقاً لعنوان (أحدهما) وكذا الإطعام مصداق له، وبناءً عليه يقال بجريان البراءة لنفي التعيين وذلك باعتبار أنَّ وجوب (أحدهما) معلوم تفصيلاً على كل تقدير، ويُشك في تخصيصه بخصوصية معينة -كخصوصية العتق - فتجري البراءة لنفيها، فيكون الواجب هو أحد الأمرين فقط، فيتخير بين الاتيان بهذا أو بذاك.
وهذا نظير التخيير العقلي حيث يقال إنَّ ذبح حيوان متيقن والشك في أخذ خصوصية فيه - كخصوصية الإبل - وهذا شك في تقيُّد الواجب بالخصوصية فتجري البراءة لنفي وجوب هذه الخصوصية، فيثبت التخيير.
وفيه: أما أصل تفسير حقيقة الوجوب التخييري فليس محل الكلام هنا، وإنما الكلام في ما رتبه عليه من جريان البراءة في محل الكلام، وما ذكره مبني على افتراض وجود شيء واحد معلوم الوجوب على كل تقدير، وهو الذي يوجب انحلال العلم الإجمالي الى علم تفصيلي بوجوب أحد الأمرين وشك في وجوب خصوصية في الواجب، فتجري البراءة في المشكوك، ولكن هذا الافتراض غير تام، إذ ولا واقع للعلم التفصيلي بوجوب شيء على كل تقدير، وذلك باعتبار أنَّ ما يُدعى أنه معلوم الوجوب تفصيلاً على كل تقدير إما أن يدعى بأنه (عنوان أحدهما) أو يدعى أنه (واقع أحدهما)، والأول - وهو العنوان - فليس معلوم الوجوب على كل تقدير بل على أحد التقديرين وهو تقدير الوجوب التخييري، وأما على تقدير الوجوب التعييني فلا يكون الواجب هو أحد الأمرين كما هو واضح.
والثاني أيضاً - أي واقع أحدهما - ليس معلوم الوجوب على كل تقدير، وإنما هو معلوم الوجوب على أحد التقديرين أي على تقدير الوجوب التعييني، وأما على تقدير الوجوب التخييري فالواجب هو عنوان (أحدهما) الانتزاعي لا واقع أحدهما.
ومنه يظهر الفرق بين المقام وبين التعيين والتخيير العقلي فإنَّ الجامع هناك جامع حقيقي - كالإكرام – فيكون تحت الطلب الوجوبي حتى على تقدير تعلق الوجوب بإحدى الحصتين لاشتمال تلك الحصة على ذلك الجامع، وأما العنوان الانتزاعي في محل الكلام فلا يسري إليه الوجوب المتعلق بالحصة ولذا لا يكون معلوماً على كل تقدير.