« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

كان الكلام في ما ذكره صاحب الكفاية حيث استشكل في جريان البراءة في محل الكلام وإن قيل بجريانها في باب الأجزاء، وذلك لعدم انحلال العلم الإجمالي هنا بخلافه في باب الأجزاء، وتقدم بيان ذلك.

واعترض عليه السيد الخوئي باعتراضين، تقدم الاعتراض الأول والملاحظة عليه، كما تقدم الاعتراض الثاني وحاصله:

لو استشكلنا في جريان البراءة في باب الشرائط فلا بد من الاستشكال في جريانها في باب الأجزاء لأنَّ كل جزء يُشك في جزئيته لا بد أن يُشك في شرطيته، وذلك لأن لكل جزء اعتباران اعتبار الجزئية وأنَّ الوجوب المتعلق بالمركب يتعلق به ضمناً، واعتبار الشرطية بلحاظ موضعه من سائر الأجزاء، فالشك في الجزئية ملازم للشك في الشرطية فإن قلنا بجريان البراءة في الجزئية جرت في الشرطية وإن منعنا من جريانها في الشرطية فلا بد من المنع من جريانها في الجزئية، لأنَّ أصالة البراءة عن جزئية السورة مثلاً لا تنفك عن أصالة البراءة عن شرطيتها ولا مجال للتفكيك بينهما لأنَّ منشأ الشك في الشرطية هو الجزئية.

ويلاحظ عليه بأن تقيُّد سائر الأجزاء في المركبات بأحد الأجزاء ليس شرطاً بالمعنى المصطلح، فإن الشرطية يُراد منها التوقف في الوجود والشرطية في باب الأجزاء ليست كذلك، بل لا يعقل فيها هذا المعنى وإلا لزم منه الدور، وذلك لأنَّ السورة مثلاً لو كانت شرطاً - بمعنى توقف سائر الأجزاء عليها - لكانت متوقَف عليها، لكنها تتوقف على سائر الأجزاء لكون سائر الأجزاء شرطاً فيها فتتوقف هي على سائر الأجزاء، ولا فرق بين جزء وجزء من أجزاء المركب، فيتوقف الشيء على نفسه وهو محال.

وإنما يُراد به أنَّ السورة ليست جزءاً من الصلاة بقول مطلق، وإنما هي جزء من الصلاة بوجودها الخاص وهو المسبوق بالتكبير والملحوق بالركوع، وعليه فالشك في الجزئية يعني الشك في اعتبار الوجود الخاص لهذا الجزء، أي الشك في اعتبار السورة في هذا الموضع الخاص وهل هو جزء من الصلاة أو لا، وهذا ليس شكاً في الشرطية بمعنى التوقف في الوجود.

والصحيح في جواب اشكال المحقق الخراساني - وهو عدم انحلال العلم الإجمالي لدوران الأمر بين المتباينين وهما الاطلاق والتقييد - هو أن يقال:

إنَّ حدود التكليف - من الاطلاق والتقييد - لا تشتغل بها الذمة وليس المكلف مسؤولاً عنها، وما تشتغل به الذمة هو ذات التكليف وبلحاظه يدور الأمر بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، فيتحقق الانحلال هنا كما يتحقق في باب الأجزاء وتجري البراءة في كل منهما.

الى هنا يتم الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الشرائط، وتبين أنَّ الصحيح هو جريان البراءة فيه كما أنَّ الصحيح هو جريانها في باب الأجزاء.

 

دوران الأمر بين التعيين والتخيير

التخيير تارة نفترضه تخييراً عقلياً وأخرى نفترضه تخييراً شرعياً، والأول كما إذا أُمر المكلف بالجامع وكانت نسبته الى الأفراد نسبة واحدة، فيكون التخيير بين الأفراد تخييراً عقلياً، فإذا احتملنا وجوب فرد معين من أفراد الجامع كان الشك فيه دائراً بين التعيين والتخيير، كما إذا أمر المولى بإكرام زيد وللإكرام أفراد كثيرة تتساوى نسبة الجامع إليها لكن المكلف احتمل الوجوب في فرد معين منها فيدور أمره بين التعيين والتخيير.

والثاني - أي التخيير الشرعي - كما إذا لم يكون هناك جامع عرفي بين الأفراد يوجه الأمر إليه فيستعين الآمر بجامع انتزاعي غير حقيقي كعنوان (أحد الأفراد) أو (أحدهما) ويوجه الأمر إليه، أو يعطف بـــ (أو) بين الأفراد فيُستفاد منه التخيير كما في خصال الكفارة.

ودوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي تارة يكون بلحاظ متعلق التكليف من قبيل دوران الأمر بين وجوب مطلق الإكرام بين وجوب الاكرام بالإطعام، فيدور أمر الاطعام بين أن يكون واجباً تعيينياً أو تخييرياً، وأخرى يكون بلحاظ متعلق المتعلق الذي يُعبَّر عنه بالموضوع، كما لو أمره بذبح حيوان ودار الأمر بين مطلق الحيوان أو خصوص الإبل، فيدور أمر هذا الفرد بين التعيين والتخيير.

وفي هذا القسم – أي دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي - ذكر السيد الخوئي أنَّ مرجعه الى كون ما يحتمل دخله في الواجب مقوماً للواجب كما في المثال المتقدم، وكما لو أمره بالتيمم ودار الأمر بين خصوص التراب أو مطلق وجه الأرض، والمحتمل دخله هو خصوص التراب وهو مقوم للواجب، وبعبارة أخرى إنَّ نسبة ما يُحتمل دخله الى الواجب هي نسبة الفصل الى الجنس.

وذكر أنَّ كُلاً من المحقق الخراساني والمحقق النائيني ذهبا الى عدم جريان البراءة فيه، أما صاحب الكفاية فلما مرَّ في البحث السابق من أنَّ الطبيعي في ضمن المقيَّد ومتحد معه بل هو عينه، وذلك باعتبار أنَّ وجود الطبيعي هو عين وجود فرده، هذا في الفرد الواجد للقيد، ونفس الكلام يأتي في الفرد الفاقد للقيد فكل منهما فرد للطبيعي.

ومنه يظهر أنَّ الفرد الواجد للقيد مباين للفرد الفاقد للقيد، والاتيان بالفاقد على تقدير أن يكون الواجب هو المقيَّد إتيان بغير الواجب، وليس بينهما قدر مشترك فلا يدخل في باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر وإنما يدخل في دوران الأمر بين المتباينين، فلا ينحل العلم الإجمالي ولا تجري فيه البراءة.

وفيه: ما تقدم في البحث السابق من أنَّ الأمر بلحاظ ما يدخل في العهدة وما تشتغل به الذمة يدور بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين لأنَّ المكلف يعلم يقيناً باشتغال ذمته بذبح حيوان ويشك في اشتغال ذمته في تقييده بأن يكون من الإبل أو لا، وهذا يعني العلم التفصيلي بوجوب الأقل وهو وجوب ذبح حيوان وشك في تقيُّد هذا الحيوان بأن يكون من الإبل فتجري البراءة لنفي الثاني.

وأما المحقق النائيني فذهب الى عدم جريان البراءة وذكر في مقام تبرير ذلك بأنَّ الجنس لا تحصُّل له في الخارج إلا في ضمن الفصل فلا يعقل تعلق التكليف به إلا مع أخذه متميزاً بفصل، فيدور أمر الجنس بين كونه متميزاً بفصل معين أو متميزاً بجميع فصوله، فيكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

 

logo