« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط:

ومورد هذا البحث هو الشك في شرطية شيء في الواجب، والشرط المحتمل له تقسيمات:

الأول: تارة يكون شرطاً لمتعلق التكليف كالطهارة بالنسبة الى الصلاة، وأخرى يكون شرطاً لمتعلق متعلق التكليف كالإيمان بالنسبة الى الرقبة، فالرقبة ليست متعلق التكليف وإنما المتعلق هو العتق والرقبة متعلق متعلق التكليف، وعلى التقديرين هناك تقسيم آخر:

فالشرط تارة يُفترض أمراً مستقلاً في وجوده عن المشروط من قبيل الطهارة بالنسبة الى الصلاة، وأخرى يفترض حالة من حالات المشروط وشأناً من شؤونه غير مستقل عنه من قبيل الايمان بالنسبة الى الرقبة والطمأنينة بالنسبة الى الصلاة.

الثاني: إنَّ الشرط المحتمل تارة يكون أمراً وجودياً كالطهارة والطمأنينة بالنسبة الى الصلاة والايمان بالنسبة الى الرقبة، وأخرى يكون أمراً عدمياً من قبيل اشتراط عدم الكلام وعدم الالتفات في الصلاة، والأول يُعبَّر عنه اصطلاحاً بالشرط، والثاني يُعبَّر عنه بالمانع.

والظاهر إنَّ هذه الأقسام لا تختلف من حيث الحكم بالبراءة أو الاشتغال.

والرأي المعروف والذي ذهب إليه المعظم هو جريان البراءة كما هو الحال في باب الأجزاء، والسر فيه هو أنَّ مرجع الشرطية الى تقييد الواجب بقيد زائد، فعلى تقدير أن تكون الطهارة شرط في الصلاة فهو يعني أنَّ الواجب مقيد بقيد زائد، وهذا يعني أنَّ الأمر يتعلق بالمقيد والتَقيُّد، فتارة يكون الأمر بالصلاة مطلقة وأخرى يؤمر بها مع تَقيُّدها بالطهارة، وكذا الأمر بالعتق تارة يكون متعلقاً بالرقبة بلا قيد وأخرى يكون بها مع تقيُّدها بالإيمان، فالشرطية ترجع الى الأمر بالتقيُّد مع المقيد، وعلى هذا الأساس يدخل المقام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فالطهارة إن لم تكن شرطاً فالمأمور به شيء واحد هو ذات المقيد وهو الأقل، وإن كانت شرطاً فالمأمور به هو المقيد والتقيُّد، فالشك هو في وجوب التقيُّد وعدمه، أي هل يجب على المكلف في مقام الامتثال أن يجعل صلاته عن طهارة أو لا يجب عليه ذلك، فالشك في وجوب التقيُّد وهو أمرٌ زائد فتجري فيه البراءة كما كانت تجري لنفي الوجوب الزائد للجزء المشكوك.

وقد اتضح إنَّ مسألة الدوران بين الأقل والأكثر هو الدوران بلحاظ ما يدخل في العهدة، وتقدم بأنَّ ما يدخل في العهدة يدور بين ذات الأقل أو الأقل زائداً الجزء المشكوك، وهنا ما يدخل في العهدة هو إما ذات المقيد أو المقيد زائداً تقيُّده بالقيد.

نعم بغير هذا اللحاظ – أي لحاظ ما تشتغل به الذمة – بأن لاحظنا حدود الواجب من كونه بشرط شيء أو لا بشرط قد يكون الأمر دائراً بين المتباينين، فإنَّ الاطلاق والتقييد من حدود الواجب وقد يكون الأمر بملاحظتها دائر بين المتباينين، لكن المناط هنا بلحاظ ما يدخل في العهدة.

وهذا الرأي يقول إنَّ البراءة تجري في باب الشرائط كما جرت في الأجزاء، لأنَّ الأمر في كل منهما دائر بين الأقل والأكثر، وكلما دار الأمر بين الأقل والأكثر فبلحاظ ما تشتغل به الذمة ينحل العلم الإجمالي الى علم تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في وجوب الزائد فتجري البراءة لنفيه بلا أي محذور.

ومن جهة أخرى من يلتزم بالاشتغال في باب الأجزاء - إما بملاك تحصيل الغرض وإما بملاك العلم الإجمالي - لا بد أن يلتزم به في محل الكلام بنفس البيان، لكنك عرفت بأنَّ كلا الملاكين لا يصلحان لإثبات الاشتغال هناك فلا يصلحان لإثباته في محل الكلام.

تفصيل المحقق العراقي:

نعم ذهب المحقق العراقي الى التفصيل في المقام بين أن يكون القيد المشكوك على نحو يكون كل فرد من أفراد الطبيعي قابلاً للاتصاف به من قبيل الإيمان في الرقبة، وبين ما لا يكون كذلك كما في الهاشمي بالنسبة الى الفقير، فهو قيد لا يمكن أن يتصف به كل فرد من أفراد الفقير فغير الهاشمي لا يمكن أن يتصف بالهاشمية، بخلاف الرقبة غير المؤمنة فإنها يمكن أن تتصف بالإيمان، وذهب الى جريان البراءة في الأول دون الثاني، وعلله بأنَّ الشرطية المحتملة في القسم الأول على تقدير ثبوتها تتطلب من المكلف عند الاتيان بالأقل أن يُكمله ويضم إليه شيئاً، فشرطية الايمان تتطلب منه أن يجعل الرقبة مؤمنة، والمفروض أنَّ ذلك أمر ممكن لإمكان أن يتصف كل أفراد الطبيعة بهذا الشرط، وبناءً عليه فالشرطية في هذا القسم لا تقتضي إلغاء الأقل رأساً بل تكميله وإتمامه، بخلاف الشرطية في القسم الثاني فإنها على تقدير ثبوتها تتطلب من المكلف عند إرادة الاتيان بالأقل أن ينصرف عنه رأساً ويأتي بفرد آخر واجداً للشرط، فإذا أطعم فقيراً غير هاشمي فإنَّ شرطية الهاشمية تتطلب منه إلغاء ما فعله والاتيان بفرد جديد من الاطعام، لأنَّ غير الهاشمي لا يمكن جعله هاشمياً، وفي الأول تجري البراءة عن الشرطية المشكوكة لأنَّ مرجع الشك فيها الى الشك في ايجاب ضم أمر زائد على ما أتى به، فهو يعلم بوجوب الأقل ويشك في وجوب الزائد فتجري فيه البراءة، وأما على الثاني فلا تجري البراءة عن الشرطية لأنَّ الشك بحسب الحقيقة في وجوب اطعام هذا أو ذاك، أي إطعام الهاشمي على تقدير الشرطية أو وجوب اطعام الفقير مطلقاً على تقدير عدم اعتبار الهاشمية، ولا يوجد قدرٌ متيقن الوجوب على كل حال بل الأمر يدور بين المتباينين.

logo