46/06/07
دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين
كان الكلام في الاستدلال بالاستصحاب على البراءة في تقريبه الأول، وهو استصحاب عدم لحاظ الأكثر عند جعل التكليف فيُكتفى بالأقل، وأورد عليه بإيرادين تقدم الأول وجوابه.
وأورد عليه ثانياً بأنَّ استصحاب عدم لحاظ الأكثر عند جعل التكليف معارض باستصحاب عدم لحاظ الأقل فإنَّ الأمر دائر بين لحاظ الأقل بشرط شيء - وهو الأكثر - أو لحاظ الأقل لا بشرط - وهو الأقل - وكل منهما حادث مسبوق بالعدم فيجري فيه الاستصحاب، لكنهما متنافيان فيتعارضان ولا يمكن اجراؤهما معاً.
ويمكن الجواب عنه بعدم جريان استصحاب عدم لحاظ الأقل، وذلك لأنَّ الغرض منه إما إثبات أنَّ الملحوظ هو الأكثر فيكون أصلاً مثبتاً، وإما إثبات التأمين من ناحية ترك الأقل فهو غير ممكن لأنَّ فرض ترك الأقل هو فرض المخالفة القطعية للتكليف ولا يمكن التأمين من ناحيته.
وقد تبين أنَّ كِلا الاعتراضين على التقريب الأول غير وارد.
التقريب الثاني: وهو استصحاب عدم تعلق الأمر بالمركب من الجزء المشكوك - أي بالأكثر - وهو أمر حادث مسبوق بالعدم فيجري فيه الاستصحاب، فلا يجب الاتيان بالجزء المشكوك، وهو يساوق البراءة.
وأورد عليه أولاً بأنه معارض بمثله، فكما أنَّ تعلق التكليف بالأقل على نحو التقييد - وهو الأكثر - مشكوك الحدوث كذلك تعلق التكليف بالأقل على نحو الاطلاق - وهو الأقل - فيجري فيهما الأصلان فيتعارضان ويتساقطان، فلا يصح الاستدلال على البراءة باستصحاب عدم تعلق التكليف.
نعم البراءة عن وجوب الأكثر لا تُعارَض بالبراءة عن وجوب الأقل بحده الاطلاقي لأنَّها إنما تجري لنفي التكليف والالزام والاطلاق أمرٌ ترخيصي يرجع الى الترخيص في التطبيق على أفراد متعددة فلا معنى لجريان البراءة فيه، بخلاف الاستصحاب فهو يجري في الترخيص كما يجري في الالزام.
وفيه: ما تقدم من عدم ترتب أثر شرعي على استصحاب عدم تعلق الوجوب المطلق، لأنه إن اُريد به اثبات وجوب الزائد بالملازمة فهو أصل مثبت، وإن اُريد به التأمين من ناحية ترك الأقل فهو غير ممكن لأنَّ فرض ترك الأقل هو فرض المخالفة القطعية ولا يمكن التأمين من ناحيتها.
وأورد عليه ثانياً بما في فوائد الأصول من أنَّ عدم الجعل لا أثر له أصلاً، لأنَّ الآثار الشرعية والعقلية إنما تترتب وجوداً وعدماً على الحكم المجعول لا على الجعل، ولو فرض محالاً انفكاك الجعل عن المجعول لم يترتب عليه أي أثر، وعليه فاستصحاب عدم جعل وجوب الأكثر مما لا أثر له إلا إذا اُريد به إثبات عدم المجعول وهو غير ممكن إلا إذا قلنا بحجية الأصل المثبت، لوضوح أنَّ المجعول ليس من الآثار الشرعية للجعل بل هو من لوازمه العقلية.
ويرد عليه بما ذكره المحقق العراقي من أنَّ الأثر غير الشرعي الذي يُراد إثباته بالاستصحاب على نحوين:
فتارة يكون أثراً للمستصحب بوجوده الواقعي فقط من قبيل نبات اللحية الذي هو أثر لبقاء حياة زيد، وهنا لا يجري استصحاب الحياة لإثبات هذا الأثر، لأن الاستصحاب لا يثبت به إلا الوجود الظاهري للمستصحب، والمفروض أنَّ هذا الأثر ليس أثراً للوجود الظاهري للمستصحب، فلا يكون الاستصحاب حجة فيه.
وأخرى يكون أثراً للمستصحب بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري، كحسن الطاعة وقبح المعصية فهي آثار عقلية تترتب على الوجود الواقعي والظاهري للحكم الشرعي، فإذا فرضنا ثبوت الحكم الشرعي بالاستصحاب فيثبت به وجود ظاهري للحكم الشرعي ويترتب عليه هذا الأثر العقلي.
ومحل الكلام من هذا القبيل لأنَّ المجعول يترتب على الجعل بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري، فلو ثبت الجعل بالاستصحاب ترتب عليه المجعول، وكذا إذا نُفي بالاستصحاب ترتب عليه نفي المجعول، ولا يقال أنَّ الأصل مثبت.