46/05/29
دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين
تتمة الملاحظة على ما ذكره السيد الخوئي قده:
أما المانع الثاني - وهو العلم الإجمالي - فبناءً على مسلك الاقتضاء الذي يبني عليه يمكن إجراء البراءة الشرعية لنفي وجوب الأكثر من دون أن يُعارض بالبراءة لنفي وجوب الأقل، وذلك باعتبار أنَّ وجوب الأقل متيقن فلا شك فيه حتى تجري فيه البراءة، هذا بلحاظ ذات الواجب.
وأما بملاحظة الاطلاق والتقييد - أي وجوب التسعة المطلقة أو وجوب التسعة المقيدة – فقد ذكرَ بأنَّ الأمر إذا دار بين إطلاق الواجب وتقييده فالأصل المؤمِّن يجري في التقييد لأنه كلفة زائدة تُنفى بالبراءة، ولا يجري في الاطلاق لعدم الكلفة فيه، وهذا اعتراف منه بجريان البراءة في محل الكلام.
بل يمكن إجراء البراءة لنفي جزئية ما يُشك في جزئيته من دون معارض ولا يتوقف جريانها على مسلك الاقتضاء الا على عدم وجود معارض، وهذا وجه آخر للاعتراض على السيد الخوئي، وسيأتي الحديث عن هذه النقطة حيث أبرز المحقق الأصفهاني معارضاً لهذه البراءة.
أما صاحب الكفاية الذي يقول بالتفصيل بين البراءتين فذكر أنَّ نسبة حديث الرفع الى أدلة الأجزاء نسبة الاستثناء الى المستثنى منه، وقالوا في مقام توضيح كلامه ما حاصله:
إنَّ دليل جزئية السورة مطلق يشمل صورتي العلم والجهل بها إلا أنه بمقتضى حديث الرفع الذي يرفع الجزئية في حالة الجهل يتقيد الاطلاق المذكور وتختص الجزئية بصورة العلم، وبرفع جزئية السورة بحديث الرفع وبضميمة ظهور أدلة الأجزاء الأخرى في الفعلية يتعين كون متعلق التكليف في المقام هو الأقل، والاقتصار على الأقل وإن كان لا يحصل به اليقين الوجداني بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال الذي لا بد منه عقلاً بناءً على مسلك العلية التامة - وهو مبنى المحقق الخراساني - إلا أنه يحصل به اليقين الجعلي بالفراغ استناداً الى الدليل الشرعي.
ولوحظ عليه: بأنَّ تخصيص دليل الجزئية بحديث الرفع وتقييده بحال العلم فرع التنافي والتعارض بين الدليلين - دليل الجزئية وحديث الرفع – ولا تنافي بينهما لأنَّ مدلول حديث الرفع حكم ظاهري ومدلول دليل جزئية السورة حكم واقعي، فالحديث ليس ناظراً الى رفع الجزئية واقعاً حتى يكون منافياً لما يدل على ثبوتها واقعاً، ومع عدم التنافي بين الدليلين لا وجه للجمع بينهما بالتقييد والتخصيص.
ولوحظ عليه أيضاً بأنَّ البراءة عن الجزئية معارضة بالبراءة عن كلية الأقل، بمعنى نحن نقطع بأنَّ متعلق التكليف إما هو الأقل وإما هو الأكثر، فالبراءة الجارية لنفي جزئية السورة معارضة بالبراءة الجارية لنفي كلية الأقل، ومع التعارض لا يمكن اجراء حديث الرفع لنفي جزئية ما يُشك في جزئيته.
وأجيب عنه: أما الاعتراض الأول فقيل في دفعه بأنَّ مقصود المحقق الخراساني ليس هو تخصيص دليل الجزئية واقعاً وإنما هو تخصيصه في مرحلة الظاهر، وهذا تطبيق للحكومة التي هي من شأن الأدلة، وهي ناظرة الى حكومة حديث الرفع على دليل جزئية السورة.
ولكن الظاهر أنَّ مقصوده هو الرفع الواقعي وذلك باعتبار أنَّ غرضه هو اثبات الإجزاء فيما إذا فُرض اقتصار المكلف على الأقل حتى لو تبين الخلاف بعد ذلك، ولا يصح ذلك في الحكومة الظاهرية بل يجب عليه التدارك.
أما الاعتراض الثاني – وهو المعارضة – فذكره المحقق الأصفهاني في حاشيته على الكفاية وحاصله:
أنَّ المعارضة بين جزئية السورة وكلية الأقل واضحة، لوضوح التنافي بينهما فكل منهما مشكوك شكاً مقروناً بالعلم الإجمالي، فالبراءة من الجزئية معارضة بالبراءة من كلية الأقل.
لكنه أجاب عنه بما حاصله:
إنَّ طرف العلم الإجمالي الموجب للمعارضة هو الوجوب النفسي للأقل بحده وهذا لا أثر له وذلك لأنَّ كلية الأقل تعني أنه تمام متعلق التكليف وليس له أثر أصلاً فإنَّ ذات الأقل – أي ذات التسعة بقطع النظر عن كونها متعلق التكليف – مما نعلم بوجوبه والمؤاخذة على تركه سواء كان هو تمام متعلق التكليف أو كان جزء المتعلق، بخلاف جزئية السورة فإنَّ أثره يظهر في المؤاخذة على تركه، وعليه فالبراءة عن الجزئية مؤمِّن من ناحية المؤاخذة على ترك الجزء ولا تُعارض بالبراءة عن كلية الأقل لعدم ترتب ثمرة على جريانها، وذلك لأنه إن اُريد بها التأمين من ناحية المؤاخذة على ترك الأقل فهو غير ممكن للعلم بترتب المؤاخذة على تركه على كل تقدير، وإن اُريد بها التأمين من ناحية كونه تمام المتعلق فلا أثر له، فلا تجري فيه البراءة وتجري في الطرف الآخر بلا معارض.