« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

كان الكلام في المانع الثالث من جريان البراءة العقلية وهو لزوم تحصيل الغرض، ولا يمكن تحصيله قطعاً إلا بالإتيان بالأكثر، فلا يجوز الاقتصار على الأقل.

وبعبارة أخرى: إنَّ الشك وإن كان بلحاظ الواجب يدور بين الأقل والأكثر لكنه بلحاظ الغرض يكون شكاً في المحصِّل، ولا إشكال في كونه مورداً لقاعدة الاشتغال.

وأجيب عنه بجوابين أحدهما عن الشيخ الأعظم والآخر عن المحقق النائيني، وقد تقدما وتقدم الجواب عنهما.

والجواب الصحيح عن هذا المانع هو ما ذكره جماعة من الأعلام من أنَّ ما يحكم به العقل ليس هو لزوم تحصيل الغرض مطلقاً وإنما هو لزوم تحصيل غرض المولى الملزم إذا تصدى المولى لتحصيله بالأمر به أو الإخبار عن مطلوبيته، وأما إذا لم يتصدَ لذلك - مع فرض تمكنه من ذلك – فلا يحكم العقل بلزوم تحصيله ولا تشتغل به الذمة، فإذا دار أمر الواجب بين الأقل والأكثر فالمقدار المتيقن اشتغال الذمة به هو الأقل لأنه المقدار الذي يُعلم تصدي المولى الى حفظه وتحصيله فتجري البراءة عن الزائد بالرغم من الشك حصول الغرض.

وتبين مما تقدم أنه لا يوجد ما يمنع من جريان البراءة العقلية في محل الكلام – أي في الأقل والأكثر الارتباطيين في باب الأجزاء - مع وجود المقتضي وهو انحفاظ موضوعها وهو احتمال العقاب، فتجري البراءة العقلية لنفي وجوب الزائد.

أما البراءة الشرعية فهل تجري في محل الكلام أو لا؟

إذا قلنا بجريان البراءة العقلية - كما تقدم - فلا ينبغي الشك في جريان البراءة الشرعية لرفع وجوب الأكثر، لأنَّ البراءة العقلية إنما تجري لنفي الزائد بعد فرض انحلال العلم الإجمالي ومع انحلاله لا يوجد ما يمنع من جريان البراءة الشرعية، وإنما الكلام فيما إذا منعنا من جريان البراءة العقلية الذي يعني عدم انحلال العلم الإجمالي، فهل تجري البراءة الشرعية أو لا؟

ذهب المحققان الخراساني والنائيني الى جريانها بالرغم من منعهما من جريان البراءة العقلية، أما صاحب الكفاية فمنع من جريان البراءة العقلية لعدم انحلال العلم الإجمالي لكنه ذكر أنَّ عموم حديث الرفع يقضي برفع ما يُشك في جزئيته فيزول الاجمال ويتعين الواجب بالأقل.

وأما المحقق النائيني فذكر أنَّ مفاد حديث الرفع هو عدم التقييد في مرحلة الظاهر فيثبت به الاطلاق ظاهراً لأنَّ عدم التقييد هو عين الاطلاق لأنَّ التقابل بينهما هو تقابل الملكة والعدم، وبذلك ينحل العلم الإجمالي حكماً بجريان البراءة في الأكثر ويرتفع الاجمال ويثبت وجوب الأقل دون الأكثر.

أما السيد الخوئي فخالف في ذلك وقال إنه بناءً على عدم انحلال العلم الإجمالي - كما هو المفروض - وعدم جواز الرجوع الى البراءة العقلية فلا يجوز الرجوع الى البراءة الشرعية لأنَّ ما يمنع من الأولى يمنع من الثانية، وذلك لأنَّ عمدة ما ذُكر مانعاً من جريان البراءة العقلية أمران:

الأول لزوم تحصيل الغرض المردد ترتبه بين الأقل والأكثر، فيكون الشك بالنسبة الى الغرض شكاً في المحصِّل فتجري فيه قاعدة الاشتغال.

الثاني العلم الإجمالي بوجوب الأقل المردد بين الطبيعة المطلقة وبين الطبيعة المقيدة، وكل منهما مشكوك فلا ينحل العلم الإجمالي فيمنع من جريان البراءة الشرعية.

أما الأول فهو إذا تم – وتقدم أنه غير تام - ومنع من جريان البراءة العقلية فهو يمنع من جريان البراءة الشرعية أيضاً، لأنَّ الغرض المعلوم إذا وجب تحصيله عقلاً على كل تقدير فلا أثر لجريان البراءة الشرعية مع الشك في حصول الغرض بإتيان الأقل، لأنَّ غاية ما يثبت بجريان البراءة الشرعية هو الحكم برفع جزئية المشكوك ظاهراً، ومن الواضح أنَّ ذلك لا يترتب عليه احراز حصول الغرض بالإتيان بالأقل لعدم كون حصوله بالأقل من الآثار الشرعية لارتفاع الجزئية بل هو من الآثار العقلية لها فيكون الأصل بلحاظه مثبتاً، وما لم نُحرز بدليل ترتب الغرض على الأقل لا يحكم العقل بحصول الامتثال بل يحكم بوجوب الاتيان بالأكثر تحصيلاً للغرض.

نعم إذا نفينا جزئية الجزء المشكوك بالأمارة فلازمه حصول الغرض بالإتيان بالأقل ولوازم الأمارة حجة، لكن الكلام في جريان الأصل العملي لا في جريان الأمارة.

 

logo