« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

كان الكلام في المانع الثالث من جريان البراءة، وحاصله لزوم تحصيل الغرض، وهو يتوقف على أمور لا بد من تسليمها:

الأول: إنَّ الغرض مما يحكم العقل بلزوم تحصيله، كما هو الحال في متعلق التكليف.

الثاني: إنَّ الشك في المُحصِّل مجرى لقاعدة الاشتغال، وهذه قضية مسلَّمة.

الثالث: إنَّ الأمر بلحاظ متعلق التكليف وإن كان دائراً بين الأقل والأكثر لكنه بالنسبة الى الغرض يكون من الشك في المُحصِّل وهو مجرى لقاعدة الاشتغال، فيقال إذا اشتغلت ذمة المكلف بالغرض فيجب عليه تحصيله وإذا اقتصر على الأقل فلا يقين بتحصيله فلا بد من الاتيان بالأكثر.

فإذا تمت هذه الأمور تم المانع من جريان البراءة.

وهناك جوابان عن هذا المانع:

الجواب الأول: ما ذكره الشيخ في الرسائل من أنَّ الغرض مما لا يمكن الجزم بحصوله على كل تقدير، أما على تقدير الاتيان بالأقل فلاحتمال دخل الزائد في حصول الغرض، وأما على تقدير الاتيان بالأكثر فلاحتمال دخل قصد الوجه في حصول الغرض، ومن الواضح أنَّ الاتيان بالأكثر بقصد الوجه – أي بالأمر الجزمي وبعنوان أنه واجب – تشريع محرم لا يحصل معه الغرض قطعاً، كما الاتيان به بقصد الوجه والأمر الاحتمالي لا قطع بحصول الغرض منه لاحتمال دخل قصد الوجه الجزمي في حصوله، وعليه فلا يجب عليه القطع بحصول الغرض لعدم إمكانه، فلم يبق إلا الفرار من العقاب وتحصيل المؤمِّن، وهو يحصل بإتيان الأقل المعلوم وجوبه، وأما الأكثر فاحتمال العقاب على تركه مدفوع بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

والتعليق عليه:

هذا الجواب كما هو واضح مبني على اعتبار قصد الوجه في تحقق الامتثال، وقد ذُكر في محله أنه غير معتبر، وهو مسلَّم عند المتأخرين، ولو تنزلنا وقلنا باعتباره فهو مختص بالعبادات دون التوصليات فلا بد من التفصيل بينهما.

الجواب الثاني: للمحقق النائيني، وحاصله إنَّ الغرض إنما يجب تحصيله إذا كانت نسبته الى فعل المأمور به نسبة المعلول الى العلة ونسبة المسبب التوليدي الى السبب التوليدي - وهما اللذان لا يتوسط بينهما اختيار المكلف - من قبيل الاحتراق المسبب عن القاء الورقة في النار، فإذا قال (ألقِ الورقة في النار) فُهم منه الأمر بإحراقها، فيجب في مثله الاحتياط والاتيان بالأكثر، وأما إذا كان الغرض يتوقف حصوله على مقدمات خارجة عن قدرة المكلف زائداً على توقفه على الفعل الداخل تحت قدرته، وكانت نسبة الغرض الى فعل المكلف كنسبة ذي المقدمة الى المقدمات الإعدادية كصيرورة السنبل حباً بالنسبة الى الحرث والبذر والسقي فلا يجب تحصيله، ومن الواضح إنَّ الاغراض والمصالح التي هي ملاكات الأحكام الشرعية هي من قبيل الثاني لأنها لا تترتب مباشرة على فعل المأمور به بل تتحقق بتوسط مقدمات غير اختيارية، فتكون نسبة الفعل إليها نسبة المقدمة الإعدادية بالنسبة الى ذي المقدمة فلا يجب تحصيلها لعدم الأمر بها.

واعترض عليه: بأنَّ المأمور به له غرضان غرض أقصى وغرض أدنى، والأول نسبته الى فعل المأمور به هي نسبة المعد والمقدمة الى ذي المقدمة، والثاني وهو ما يكون نسبته إليه نسبة السبب التوليدي والعلة الى المعلول، والمراد من الثاني هو صيرورة المكلف مهيأً لحصول الغرض الأقصى وسد باب عدمه، والغرض الأدنى مما يجب تحصيله لكونه مقدوراً لترتبه على فعل المأمور به ترتب المعلول على العلة، فإذا شك بين الأقل والأكثر لزم الاحتياط لأنه شك في المُحصِّل، وبهذا التقريب يمكن أن يقال بوجوب الاحتياط والاتيان بالأكثر وعدم جريان البراءة في محل الكلام.

 

logo