« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

كان الكلام في الصورة الثالثة من صور تأخر العلم الإجمالي وهي ما إذا كان العلم الإجمالي بعد الملاقاة لكن قبل العلم بالملاقاة، وفيها رأيان تقدم الأول منهما وهو وجوب الاجتناب عن الملاقي.

الرأي الثاني: لا يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الحال في الصورة الأولى لأنهما يشتركان في أنَّ العلم الإجمالي متقدم على العلم بالملاقاة، وحيث أنَّ التنجيز من آثار العلم بالنجاسة لا من آثار وجودها الواقعي كما تقدم فالملاقاة يوم الجمعة لا يترتب عليها أثر لأنها غير معلومة يوم الجمعة وإن علم بها يوم الأحد، وعليه إذا حصل العلم الإجمالي يوم السبت يتساقط الأصلان في الطرفين الملاقى والطرف الآخر ويتنجَّز التكليف ويجب الاجتناب عنهما، ولا أثر للعلم بالملاقاة يوم الأحد لأنه وإن كان يوجب العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر إلا أنه لا أثر له بالنسبة الى الطرف الآخر لتنجُّز التكليف فيه بمنجِّز آخر وهو العلم الإجمالي الأول الحاصل يوم السبت فلا مانع من الرجوع الى الأصل في الملاقي لما تقدم من أنَّ العلم الإجمالي يسقط عن التنجيز إذا كان أحد أطرافه منجَّز بمنجِّز سابق، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي.

والتعليق عليه:

تقدم سابقاً عدم صحة القول بأنَّ الطرف الآخر يتنجز بمنجِّز سابق لأنه يفترض أنَّ العلم الأول بحدوثه ينجِّز الطرف الآخر في الزمان اللاحق في حين أنَّ العلم الأول ينجِّز الطرف الآخر ببقائه لا بحدوثه كما هو الحال في كل منجِّز فإنه إنما ينجِّز في الآن الذي هو فيه بحدوثه، وعليه فلا تقدم في التنجيز بل الطرف المشترك بين العلمين يتلقى التنجيز من العلم الأول بوجوده البقائي ومن العلم الثاني بوجوده الحدوثي، فيكون كل واحد منهما جزء السبب في تنجيز الطرف الآخر، نعم يكون كل منهما تمام السبب في مورد الافتراق.

الى هنا نختم الكلام عن دوران الأمر بين المتباينين.

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الواجبات

يقع الكلام في الأقل والأكثر من حيث جريان البراءة لنفي وجوب الزائد وعدم جريانها بعد الفراغ عن أنَّ الشك في التكليف مورد للبراءة وأنَّ الشك في المكلف به بعد العلم بالتكليف هو مورد لقاعدة الاشتغال، والكلام يقع في أنَّ دوران الأمر بين الأقل والأكثر هل يُلحق بالشك في التكليف فيكون مورداً للبراءة أم يُلحق بالشك في المكلف به فيكون مورداً للاشتغال.

والكلام يختص بموارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، والمراد به وجوب واحد له اطاعة واحدة وعصيان واحد ولكنه هل تعلق بالأقل أو تعلق بالأكثر، بحيث أنَّ الزائد على الأقل على تقدير وجوب الأكثر لا يكون واجباً مستقلاً، ومثاله الشك في جزئية شيء في الصلاة كالسورة مثلاً فالوجوب واحد وله امتثال واحد وعصيان واحد، ويدور الأمر بين أن يتعلق بالأكثر أو الأقل، بخلاف الشك في اشتغال الذمة لزيد بدينار أو دينارين فهو من الأقل والأكثر لكن على تقدير وجوب الأكثر يكون الأقل وجوباً مستقلاً عن الأول، ولا كلام ولا خلاف في أنه مورد لأصالة البراءة، بل لا يوجد علم إجمالي في هذا الفرض وإنما هناك علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الأكثر فتجري فيه البراءة.

ومنه يظهر أنَّ الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين يقع في أنَّ الدوران بينهما هل هو من الدوران الأمر بين الأقل والأكثر حتى ينحل العلم الإجمالي ويكون الشك في وجوب الزائد شكاً بدوياً تجري فيه البراءة بلا إشكال أو أنه من دوران الأمر بين المتباينين فلا ينحل العلم الإجمالي؟

ثم إنَّ دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين يشمل عدة فروض:

الفرض الأول: الدوران بينهما بحسب الأجزاء، كالشك في وجوب السورة في الصلاة.

الفرض الثاني: الدوران بينهما بحسب الشرائط، كالشك في شرطية الاستقبال في الصلاة.

الفرض الثالث: الدوران بين التعيين والتخيير الشرعيين، كما لو دار الأمر في الكفارة بين الاطعام فقط أو التخيير بين الاطعام والعتق والصيام، فيدور الأمر في الاطعام بين التعيين والتخيير الشرعيين.

الفرض الرابع: دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي، كما إذا وجبَ الاطعام على المكلف ودار الامر بين اطعام الانسان أو غيره، فيدور أمر اطعام الانسان بين التعيين وبين التخيير العقلي.

والجامع بين هذه الفروض هو الدوران بين الأقل والأكثر، ويقع الكلام في هذه الفروض تباعاً في مقامات:

المقام الأول: دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء

وقد اختلفوا في حكمه على أقول:

القول: عدم جريان البراءة فيه مطلقاً، أي لا البراءة العقلية ولا الشرعية.

الثاني: جريان البراءة فيه مطلقاً، وهو رأي صاحب الحاشية على المعالم، وهو المنسوب للشيخ الأنصاري.

الثالث: التفصيل، فتجري البراءة النقلية ولا تجري العقلية، واختاره صاحب الكفاية والمحقق النائيني.

والكلام يقع في الموانع التي ادعي مانعيتها من جريان البراءة، وبعبارة أخرى بعد فراغهم من وجود المقتضي لجريان البراءة وقع كلامهم في وجود المانع من جريانها، فموضوع البراءة العقلية وهو احتمال العقاب على ترك الأكثر موجود وإنما الكلام فيما يمنع من جريانها، وهكذا البراءة الشرعية فإنَّ موضوعها هو الشك في التكليف وهو متحقق، فالمقتضي لجريان البراءة موجود وإنما الكلام في الموانع من جريانها

المانع الأول: العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر الموجود في المقام وهو منجِّز ومانع من البراءة لدوران الأمر بين المتباينين بحسب الحقيقية، لأنَّ المفروض في محل الكلام ارتباط الأجزاء بعضها ببعض وأنَّ الوجوب ارتباطي، مما يعني أنه وجوب واحد متعلق إما بالتسعة أو بالعشرة، وأنه على تقدير وجوب الأكثر لا يكون الأقل واجباً وعلى تقدير وجوب الأقل لا يكون الأكثر واجباً، وهذا معناه أنَّ كلاً منهما غير معلوم الوجوب، فلا ينحل العلم الإجمالي.

logo