46/05/06
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
اعتُرض على الوجه الثاني الذي ذكره المحقق النائيني قده باعتراضات:
الاعتراض الأول: إنَّ المحقق النائيني يلتزم بمسلك الاقتضاء ولا حاجة لإثبات جريان الأصل في الملاقي على هذا المسلك الى ما ذكره، لأنَّ المنجزية على هذا المسلك تقع في طول تعارض الأصول في الأطراف، ولا مانع من جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض، فينبغي أن يقول في محل الكلام إنَّ أصالة الطهارة تجري في الملاقي بلا معارض، ولا تُعارضها أصالة الطهارة في الطرف الآخر لسقوطها بالمعارضة مع أصالة الطهارة في الملاقى، وهذا وجه مختصر ولا موجوب لإقحام سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية إذا كان أحد أطرافه قد تنجَّز بمنجِّز سابق، وأنه يُشترط في منجزية العلم الإجمالي أن يكون صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير... الى آخر ما ذكره.
وهذا الاعتراض إنما يتم على مسلك الاقتضاء ولا يتم على مسلك العلية التامة كما هو واضح.
الاعتراض الثاني: إنَّ الوجه الثاني مبني على أنَّ منجزية العلم الإجمالي مشروطة بأن يكون علماً بحدوث تكليف على كلا التقديرين وإلا فلا يكون منجِّزاً، مثلاً إذا علمنا صباحاً بوقوع دم في أحد إناءين إما الأسود أو الأبيض ثم علمنا بعد ذلك بوقوع قطرة أخرى في أحد إناءين إما الأسود أو الأحمر، فيكون الإناء الأسود طرفاً مشتركاً بين العلمين، وعليه لا يكون العلم الثاني منجِّزاً لأنه ليس علماً بحدوث تكليف على كل تقدير، لأنه على تقدير وقوع القطرة الثانية في الاناء الأسود مع افتراض كونه هو النجس لا تُحدث تكليفاً فيه.
وفي محل الكلام يقال هناك طرف مشترك بين العلمين - وهو الطرف الآخر - وهو منجَّز بالعلم الإجمالي الأول، ولا يكون العلم الإجمالي الثاني منجِّزاً له لأنه ليس علماً بحدوث تكليف على كل تقدير.
والصحيح هو أنَّ ذلك ليس شرطاً في منجزية العلم الإجمالي بل يكفي في منجزيته العلم بأصل التكليف سواءً كان حدوثياً أم بقائياً، ومن الواضح أنه بوقوع القطرة الثانية يحصل العلم بوجوب الاجتناب إما عن الاناء الأسود وإما عن الاناء الأحمر، غايته يُحتمل أن يكون التكليف بقائياً على تقدير وقوع القطرة في الإناء الأسود، وحدوثياً على تقدير وقوعها في الإناء الأحمر.
بل هناك محذور في هذا الاشتراط، وذلك باعتبار أنَّ لازمه هو أنَّ العلم الإجمالي بوقوع قطرة دم إما في الاناء الأسود وإما في الاناء الأبيض - مع فرض الشك في ثبوت نجاسة الأسود قبل العلم الإجمالي - لا يكون منجِّزاً لأننا لا نعلم أنَّ هذه القطرة الساقطة هل صارت سبباً لحدوث التكليف بالاجتناب على كل تقدير لأنه على تقدير وقوعها في الاناء الأسود وعلى تقدير أن يكون نجساً من البداية فهي لا تحدث تكليفاً فيه، ويكون التكليف فيه بقائياً، فلا يكون العلم الإجمالي منجِّزاً على هذا الاشتراط، والحال أنه لا إشكال في منجزيته في الفرض المذكور، هذا منبه على عدم صحة هذا الاشتراط.
الاعتراض الثالث: ما قيل من أنَّ المنجزية هي من آثار العلم وليست من آثار المعلوم، فإذا علم المكلف بمعلوم سابق كالعلم يوم السبت بنجاسة إناء يوم الجمعة فلا يكون منجِّزاً له يوم الجمعة، وإنما يُنجِّزه من حين حصوله، والسر فيه هو أنَّ العلم هو الموضوع لحكم العقل بالتنجيز، ولا يتقدم الحكم على موضوعه وإنما يتحقق بعده، وبناءً عليه فالعلم الإجمالي الثاني وإن كان معلومه سابقاً لكنه لا يُنجِّزه في الزمان السابق وإنما يُنجِّزه من حين حصوله ويكون سبباً لحدوث التكليف فيه، لا في بقائه.
وبعبارة أخرى العلم الإجمالي الثاني كالعلم الإجمالي الأول في أحداثه التكليف في الاناء الأسود، فكل منهما علة لحدوث التكليف.
وقد يُشكل على ذلك بأنَّ العلم إذا تعلق بمعلوم سابق كما في المثال فلا بد من ترتيب آثار النجاسة من زمان المعلوم، وهذا ينافي ما تقدم من أنَّ العلم الإجمالي لا يُنجِّز معلومه إلا من حين حصوله.
وجوابه هو إنَّ التنجيز لا يكون إلا في زمان العلم ولكن المنجَّز - أي المعلوم - قد تكون له آثار تمتد الى الزمان السابق.
الوجه الثالث: ما عن المحقق العراقي قده من أسقاط منجزية العلم الإجمالي الثاني بدعوى انحلاله حكماً بالعلم الإجمالي الأول، وقد خصَّه بما إذا كان العلم الإجمالي الثاني في طول العلم الإجمالي الأول وناشئاً منه، وهذا متحقق في محل الكلام فإنَّ العلم الإجمالي الثاني معلول للعلم الإجمالي الأول، لأنَّ العلم بسقوط قطرة دم في أحد إناءين سبب في حصول العلم الإجمالي الثاني، فإنَّ القطرة إن سقطت في الطرف الآخر فهو نجس، وإن سقطت في الملاقى فالملاقي نجس.
والانحلال مبني على مسلك العلية التامة الذي اختاره والذي يمنع من اجراء الأصل ولو في طرف واحد وإن لم يكن له معارض، وحيث أنَّ الملاقي وقع طرفاً للعلم الإجمالي الثاني، والملاقى وقع طرفاً للعام الإجمالي الأول، فإذا فرضنا وجود طولية بين العلمين فلا بد من اختصاص التأثير والمنجزية بالعلم الإجمالي الأول ويسقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير، فلا يُنجِّز حرمة اجتناب الملاقي بمقتضى الطولية بين العلمين، وذلك باعتبار أنَّ التكليف بالاجتناب عن أحد طرفي العلم الإجمالي الثاني قد تنجِّز في مرتبة سابقة فلا يكون العلم الثاني منجِّزاً له لأنَّ المنجَّز لا يتنجز.