« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

النتيجة التي انتهينا إليها هي أنَّه على القول بالتبعية يتعين الالتزام بإمكان إثبات تنجُّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي الأول.

وقد يُستشكل في تطبيق ذلك على محل الكلام لأنه يتوقف على ثبوت حكم شرعي نفسي بوجوب الاجتناب عن النجس فيقال إنَّه يقتضي وجوب الاجتناب عن ملاقيه لأنه من شؤونه وتبعاته، ولكن ذلك غير موجود في المقام إما من جهة أنَّ وجوب الاجتناب عن الملاقى ليس وجوباً شرعياً نفسياً وإنما هو حكم عقلي باعتباره طرفاً في العلم الإجمالي، ومنشأه الاحتياط ووجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، ولو فرضنا وجود وجوب شرعي متعلق بالملاقى فهو حكم إرشادي وليس تأسيسياً لأنه من موارد حكم العقل، وعلى كل تقدير هو لا يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقي.

وإما من جهة أنَّ الوجوب الشرعي بالاجتناب - على تقدير وجوده - ثابت للملاقى بما هو مشتبه وبعنوان الاحتياط لا بعنوان النجس، ومن الواضح أنَّ الأمر بالاجتناب بعنوان الاحتياط لا يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقي.

وبعبارة أخرى إنَّ فكرة التبعية تدعي الملازمة بين الاجتناب عن النجس وبين الاجتناب عن ملاقيه، فيكفي الأمر بالاجتناب عن النجس في لزوم الاجتناب عن ملاقيه ولا حاجة الى دليل آخر، ولكن لم يقم الدليل على الملازمة بين الأمر بالاجتناب عن شيء وبين الأمر بالاجتناب عن ملاقيه، ولذا لا إشكال في أنَّ الأمر بالاجتناب عن المغصوب لا يقتضي وجوب الاجتناب عن ملاقيه، فالملازمة المدعاة مختصة بالاجتناب عن النجس وعن ملاقيه، وفي المقام لا يوجد أمر بالاجتناب عن النجس وإنما الأمر بالاجتناب عن الملاقى من باب الاحتياط، ولا دليل على أنَّ وجوب الاجتناب عنه يقتضي وجوب الاجتناب عن ملاقيه.

ويلاحظ عليه: بأنَّ الأمر بالاجتناب عن طرف العلم الإجمالي – أي الملاقى – ليس مثل الأمر بالاجتناب عن المغصوب

لأنه وإن لم يكن بعنوان النجس لكنه بعنوان محتمل النجاسة، وهذا يعني أنَّ الغرض من الأمر بالاجتناب عنه هو الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال، إذن الأمر بالاجتناب عن الملاقى وعن الطرف الآخر لأجل احراز الاجتناب عن النجس المعلوم وجوده في أحدهما، ومن الواضح أنَّ الاجتناب عن النجس المأمور به شرعاً - بناءً على التبعية - لا يكون إلا بالاجتناب عن محتملاته وعن ملاقي أحد محتملاته، لوضوح أنه على تقدير وجود النجاسة في الملاقى فلا يتحقق الاجتناب عنه إلا بالاجتناب عن ملاقيه، وهذا يعني أنَّ نفس الأمر بالاجتناب عن النجس الذي اقتضى الأمر بالاجتناب عن الملاقى يقتضي الأمر بالاجتناب عن الملاقي لأنه من شؤونه وتبعاته .

ومنه يظهر الجواب عما ذكره أولاً فإنه بناءً على ما ذكرنا لا نحتاج لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقى الى حكم شرعي نفسي بالاجتناب عن الملاقى لما عرفت من أنه يكفي لإثبات ذلك نفس وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال، فحتى إذا كان وجوب الاجتناب عن الملاقى عقلياً فإنَّ الأمر الشرعي بالاجتناب عن النجس كافٍ لإثبات الأمر بالاجتناب عن الملاقي، لأنه بعد تنجُّزه بالعلم الإجمالي لا بد من اجتنابه، والمفروض أنَّ اجتنابه كما لا يكون إلا بالاجتناب عن الطرفين كذلك لا يكون إلا بالاجتناب عن ملاقي أحد الطرفين.

ويتلخص مما تقدم:

أولاً: انتهينا الى تنجُّز حرمة الملاقي بالعلم الإجمالي الأول - أي العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين -، وإن كان المعروف بينهم هو عدم التنجُّز ولذا قالوا لو بقينا نحن والعلم الإجمالي الأول لحكمنا بجواز شرب الملاقي وجواز الوضوء به، ولكنه إنما يتم بناءً على السببية، وأما بناءً على التبعية - كما استقربناه - أو الانبساط فالملاقي يكون طرفاً للعلم الإجمالي ويتنجَّز به.

ثانياً: انتهينا الى تنجُّز حرمة الملاقي بالعلم الإجمالي الثاني - أي العلم بنجاسة إما ملاقي الطرف الأول وإما الطرف الثاني – بناءً على دخول الطرف الثاني في محل الابتلاء، وحصول الملاقاة مع الطرف الأول وحصول العلم الإجمالي الثاني.

وأما إذا كان الطرف الثاني خارجاً عن محل الابتلاء فإن كان خروجه بمثل التلف أو التطهير - مع افتراض أنَّ ذلك كان قبل الملاقاة وقبل حصول العلم الإجمالي - فلا اشكال في عدم التنجيز لأنَّ هذا الخروج يوجب استحالة التكليف ومعه لا علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير فلا يكون العلم الإجمالي منجِّزاً

وإن كان الخروج عن محل الابتلاء بالمعنى السابق - أي وجوده في مكان لا يبتلي به المكلف عادة - فعدم التنجيز حينئذٍ مبني على القول باشتراط التكليف بالدخول في محل الابتلاء، وأما إذا أنكرنا ذلك – كما هو الصحيح – فالتنجيز ثابت هنا أيضاً.

كما أنه إذا كان الخروج بكلا المعنيين بعد الملاقاة وحصول العلم الإجمالي فلا إشكال في بقائه على المنجزية حتى مع التلف.

 

logo