46/04/30
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
يظهر مما تقدم بأنَّ الأقرب في كيفية سراية النجاسة الى الملاقي هو الوجه الأخير بمعنى أنَّ الاجتناب عن الملاقي هو من شؤون وتبعات الاجتناب عن الملاقى، وهو يعني أنه يُكتفى بدليل الاجتناب عن النجس في وجوب الاجتناب عن ملاقيه.
وكونه هو الأقرب باعتبار الشواهد المتقدمة وأخرى غيرها ذكروها لإثبات الارتكاز العرفي المشار اليه.
ويضاف إلى ذلك ما ذكروه من أنَّ الأدلة الدالة على وجوب الاجتناب عن النجس هي تُنزِّل النجس منزلة القذارة العرفية في وجوب الاجتناب عنه، فكأنَّ الشارع يقول يجب عليك أن تجتنب النجس كما تجتنب عن القذر عرفاً، فنحو الاجتناب عنهما واحد، ومن الواضح أنَّ اجتناب العرف عن القذارة هو اجتناب عن عينها وعن ملاقيها، ولا يرى العرف أنَّ من ارتكب الملاقي قد اجتنب عن القذارة، وعليه تكون الأدلة الآمرة بالاجتناب عن النجس دالة على الاجتناب عن ملاقيها أيضاً، وتوضيح ذلك:
لو فرضنا أنَّ الدليل نزَّل شيئاً منزلة السم وأمر بالاجتناب عنه، فيفهم منه أنَّ الاجتناب عن هذا الشيء هو بنحو الاجتناب عن السم، والاجتناب عن السم هو بالاجتناب عن أكله أو شربه فيكون كذلك في الشيء المنزَّل منزلته.
وقد يستشكل على هذا الاحتمال بأنَّ ذلك صحيح لو وجد دليل يدل على وجوب الاجتناب عن النجس بهذا العنوان ولا وجود لمثل هذا دليل، وإنما الموجود هو أدلة تأمر بغسل الثوب من البول ومن الدم ونحو ذلك، أو أدلة بعنوان النهي عن الشرب وعن الاستعمال، واستفيد منها وجوب الاجتناب عن النجس، ومعه لا يفهم من تلك الأدلة وجوب غسل ما يلاقيها، فلا يمكن إثبات المدعى.
وجوابه: لا ينبغي أن يكون هذا الاشكال مانعاً من الالتزام بهذا الاحتمال وذلك باعتبار أنَّ العرف يفهم من الأمر بالغسل عدم جواز استعماله قبل غسله وهو عبارة أخرى عن وجوب الاجتناب عنه.
والحاصل: لا فرق بين (اجتنب عن النجس) وبين (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه)، وكذلك النهي عن الشرب من الماء الذي شرب منه الطائر إذا كان على منقاره دم، فإنه يُفهم منه وجوب الاجتناب عنه أيضاً.
الثمرة بين الاحتمالين:
ذكروا ثمرتين بين هذين الاحتمالين – السببية والتبعية - تظهران في محل الكلام:
الثمرة الأولى: قالوا بناءً على السببية لا يمكن إثبات تنجُّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي الأول – أي العلم بنجاسة أحد الأناءين – وذلك باعتبار أنَّ وجوب الاجتناب عن الملاقي هو حكم جديد يحتاج الى دليل مستقل، ولا يثبت بمجرد قيام الدليل على وجوب الاجتناب عن النجس، فلا يمكن أن نتمسك بالعلم الإجمالي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي، وأما بناءً على التبعية فيمكن اثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأول لأنه كما يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقى لأنه طرف للعلم الإجمالي كذلك يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الثوب لأنه من شؤونه وتبعاته بحيث لا يتحقق الاجتناب عنه إلا بالاجتناب عن ملاقيه.
قد يقال: لا فرق بين الاحتمالين في أنَّ العلم الإجمالي لا يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، أما على السببية فواضح، وأما على التبعية فلأنَّ المعلوم بالإجمال بالعلم الإجمالي الأول هو أصل وجوب الاجتناب عن أحد الطرفين وأما شؤونه وتبعاته فليست معلومة فلا تتنجَّز به وإنما هي مشكوكة بالشك البدوي.
وجوابه: إنَّ المفروض على القول بالتبعية أنَّ وجوب الاجتناب عن الملاقي من شؤون وجوب الاجتناب عن الملاقى، وأنَّ الاجتناب عنه لا يتحقق إلا بالاجتناب عن ملاقيه، وحينئذٍ يكون العلم بوجوب الاجتناب عن النجس علماً بوجوب الاجتناب عن ملاقيه، فإذا علمنا بوجوب الاجتناب عن النجس إجمالاً لتردده بين طرفين كان ذلك لا محالة علماً اجمالياً بوجوب الاجتناب عن ملاقيه، وهذا العلم كما يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقى لاحتمال كونه النجس المعلوم بالإجمال كذلك ينجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقي لاحتمال كونه ملاقي النجس.
ومنه يظهر أنه على القول بالتبعية يتعين الالتزام بإمكان اثبات تنجُّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي الأول، بخلاف القول بالسببية فإنه لا يمكن إثباته إلا بدليل مستقل.