« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

بعد استبعاد احتمال الانبساط يدور الأمر بين الاحتمالين الأول والثالث، وقد وقع الكلام في مرحلتين الأولى في مقام الثبوت والإمكان والثانية في مقام الاثبات والدلالة.

أما المرحلة الأولى فالظاهر أنه لا محذور في تعقل السببية وإمكانها وذلك بأن يحكم الشارع بنجاسة الملاقي إذا لاقى النجس، فهناك اعتباران شرعيان اعتبار نجاسة الملاقى واعتبار نجاسة الملاقي، وهما حكمان مستقلان بينهما علاقة السببية ولا محذور في ذلك، وبعبارة أخرى يمكن افتراض أنَّ الملاقاة ملاك تام للحكم بنجاسة الملاقي.

أما الاحتمال الثالث فأورد عليه بإيرادات:

الإيراد الأول بأن يقال إنَّ وجوب الاجتناب عن الملاقي لو كان من شؤون الاجتناب عن الملاقى ومن تبعاته لما كان باقياً بعد فقْد الملاقى مع أنه يبقى بلا إشكال وهذا يكشف عن عدم كونه تابعاً له.

جواب المحقق الأصفهاني:

وناقش فيه المحقق الأصفهاني قده بأنَّ الملاقي له حكمان حكم باعتباره نجساً بالتبع، وله حكم آخر باعتباره من شؤون الملاقى، ففيه حيثيتان وله من كل حيثية حكم، فإذا انتفى كونه من شؤون النجس بفقد النجس فيبقى الحكم الثاني المقتضي لوجوب الاجتناب عنه.

وهناك ملاحظة على الايراد وملاحظة على المناقشة:

أما الملاحظة على الايراد فبأنَّ فقْد الملاقى لا يستلزم ارتفاع وجوب الاجتناب عن الملاقي حتى يقال إنه لا يرتفع حتماً فيكشف ذلك عن عدم التبعية، وذلك لأنَّ المفروض أنَّ الاجتناب عن الملاقي اجتناب عن الملاقى، وهذا يعني أنَّ الاجتناب عن الملاقي مرتبة من مراتب الاجتناب عن الملاقى، فإنَّ له مرتبة عليا تتحقق بالاجتناب عن الملاقى والملاقي معاً، ومرتبة دنيا تتحقق بالاجتناب عن الملاقى، ويترتب عليه أنَّ فقْد الملاقى لا يوجب ارتفاع وجوب الاجتناب عن الملاقي للتمكن من امتثاله ببعض مراتبه أي الاجتناب عن ملاقيه المتمثلة بالاجتناب عن ملاقيه من باب أنه اجتناب عن الملاقى.

والحاصل إنَّ بقاء وجوب الاجتناب عن الملاقي بعد فقد الملاقى ليس دليلاً على عدم كونه من شؤون وتبعات وجوب الاجتناب عن الملاقى، بل يمكن الالتزام ببقائه مع فقد الملاقى مع الالتزام بأنه من شؤونه وتوابعه.

وأما الملاحظة على المناقشة فبأنَّ الأمر بالاجتناب عن الملاقي ليس أمراً مستقلاً عن مسألة التبعية حتى يقال أنَّ هناك حكمين بالاجتناب عن الملاقي لأنَّ فيه حيثيتين حيثية كونه نجساً وحيثية كونه من تبعات الملاقى بل هناك أمرٌ واحد بالاجتناب عن الملاقي من جهة التبعية، وحيثية كونه نجساً ليست حيثية مستقلة عن حيثية كونه من تبعات الملاقى، ومثاله ما إذا وجب إكرام ابن العالم وكان ذلك يدل على وجوب إكرام العالم نفسه، فإنَّ الابن ليس موضوعاً مستقلاً لوجوب الاكرام بل يُفهم منه أنه من جهة التبعية، فإذا ارتفع وجوب إكرام العالم بموته مثلاً فلا يبقى وجوب إكرام الابن.

ومن هنا يظهر أنَّ الايراد الأول على الاحتمال الأخير غير وارد.

الايراد الثاني هو ما ذكره المحقق الاصفهاني قده من أنه لا إشكال في أنَّ المكلف إذا اجتنب الملاقى ولم يجتنب الملاقي فقَد اجتنب عن فرد من النجس ولم يجتنب عن فرد آخر منه لا أنه لم يجتنب أصلاً، وهذا شاهد على أنَّ التبعية غير صحيحة.

وجوابه اتضح مما تقدم فإن المكلف إذا اجتنب عن الملاقى ولم يجتنب عن الملاقي يصدق عليه أنه اجتنب عن النجس لكن ببعض مراتبه، كما يصدق أنه لم يجتنبه بمراتبه الأخرى، ومثاله ما لو أكرم العالم ولم يكرم ابنه فيصدق أنه أكرم العالم ببعض مراتبه ولم يكرمه بمراتبه الأخرى.

 

logo