« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

كان الكلام في الشك بنحو الشبهة المصداقية في الخروج عن محل الابتلاء بعد وضوح مفهومه، والكلام تارة عن جواز التمسك بإطلاق دليل الخطاب لإثبات التكليف في الفرد المشكوك ومعه يتشكل علم اجمالي منجِّز، وأخرى على القول بعدم جواز التمسك بإطلاق دليل الخطاب فيقع الكلام في جواز التمسك بإطلاق دليل البراءة لإجرائها في الطرف المشكوك أو لا، فإذا أمكن جريانها في الطرف المشكوك فيكون معارضاً بجريانها في الطرف الداخل في محل الابتلاء ويتساقطان فيتنجز العلم الإجمالي، وإذا لم يمكن جريانها في الطرف المشكوك فتجري في الطرف الداخل في محل الابتلاء بلا معارض ولا يتنجز العلم الإجمالي.

أما البحث الأول وهو جواز التمسك بإطلاق دليل الخطاب ففيه رأيان الجواز وعدمه، وكل منهما مبني على ما نُقِّح في أصل المسألة وهو التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص.

والقول المعروف هو عدم الجواز مطلقاً، فإنَّ العام خُصِّص قطعاً بالخارج عن محل الابتلاء ثم شككنا في فرد هل هو خارج بالتخصيص أم باق تحت العام، فلا يجوز التمسك بإطلاق الدليل لإثبات حكمه في الفرد المشكوك بنحو الشبهة المصداقية.

والقول الآخر اختار الجواز بعد القول بالتفصيل في أصل المسألة بين المخصص اللفظي والمخصص اللُبي، وعدم جواز التمسك بالعام مختص بالمخصص اللفظي وأما إذا كان المخصص لُبياً فيجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ومحل كلامنا من الثاني فيجوز التمسك بالعام فيه.

وتحقيق الكبرى موكول الى محله، والصحيح هو عدم الفرق بين المخصص اللفظي والمخصص اللُبي فلا يجوز التمسك بالعام في كل منهما، هذا مع وجود خصوصية في محل الكلام تمنع من التمسك بالعام حتى على القول بالتفصيل وهي أنَّ المخصص هو حكم العقل وهو لُبي بلا إشكال فهل يكون حكمه حكم المخصص المتصل بالخطاب أم حكمه حكم المنفصل؟ فعلى تقدير أن يكون هذا الحكم العقلي واضحاً ضرورياً يكون مقترناً بالخطاب، ولكن هذا الاتصال هل يمنع من التمسك بظهور الدليل لإثبات حكمه في الفرد المشكوك أو لا؟

إذا قلنا إنه يكون من قبيل المخصص المتصل وأنه يمنع من التمسك بالعام فيمنع منه في محل الكلام، وأما إذا قبلنا التفصيل فيجوز التمسك بالعام في محل الكلام.

وأما البحث الثاني فعلى تقدير عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية - كما هو الصحيح - تُطرح مسألة جواز الرجوع الى البراءة في الفرد المشكوك، وهنا رأيان أيضاً:

الأول عدم جواز التمسك بدليل البراءة وهو مختار السيد الخوئي قده وذلك باعتبار أنَّ نفس المانع من التمسك بإطلاق دليل التكليف يمنعنا من التمسك بدليل البراءة لإثباتها في الفرد المشكوك، وهو التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، وذلك باعتبار أنَّ كل ما يكون قابلاً لوضع التكليف فيه يكون قابلاً لرفعه، وكل ما لا يكون قابلاً لوضع التكليف فيه لا يكون قابلاً لرفعه، ودليل البراءة يرفع التكليف وهو إنما يصح حيث يكون الوضع ممكناً، وفي محل الكلام الفرد المشكوك إذا كان داخلاً في محل الابتلاء فهو يقبل وضع التكليف فيه، فيكون قابلاً لرفعه، وإذا كان خارجاً عن محل الابتلاء فلا يقبل وضع التكليف فيه - لحكم العقل باستحالة التكليف بما هو خارج عن القدرة ولو العرفية - فلا يقبل الرفع، فالفرد المشكوك لا نحرز قابليته لوضع التكليف فيه فيكون التمسك بدليل البراءة تمسكاً بالدليل في الشبهة المصداقية، لأنَّ دليل البراءة لا يجري في المورد الذي لا يكون قابلاً لوضع التكليف فيه، ومعه لا مانع من جريان البراءة في الطرف الداخل في محل الابتلاء، وبهذا ينحل العلم الإجمالي حكماً ويسقط عن المنجزية.

وهذا الكلام يبتني على أنَّ التقابل بين الوضع والرفع هو من تقابل الملكة والعدم، هذا هو الرأي الأول.

والتعليق عليه:

كأنَّ هذا الرأي يبتني على أنَّ مفاد دليل البراءة هو رفع التكليف الواقعي، وأما إذا قلنا أنَّ المرفوع هو وجوب الاحتياط، أي رفع الحكم الواقعي في مرحلة الظاهر، فحيث أنه يمكن وضعه في مرحلة الشك فيمكن رفعه بدليل البراءة، وهذا هو الصحيح لأنَّ رفع التكليف الواقعي واقعاً يستلزم اختصاص التكليف بالعالمين به ويلزمه عدة محاذير، والصحيح هو الاشتراك كما قُرر في محله، فالمرفوع هو ما ذكرناه – أي وجوب الاحتياط – ومن الواضح أنَّ ايجاب الاحتياط مما يمكن وضعه في مورد الشك، ولا يلزم محذور اللغوية أو الاستهجان العرفي، ويكون الغرض من وضعه هو تنجيز الواقع به والحفاظ على ملاكه على تقدير عدم خروجه عن محل الابتلاء، نعم في مورد العلم بخروجه عن محل الابتلاء يكون جعل وجوب الاحتياط لغواً لعدم إمكان تنجيز الواقع به.

هذا مضافاً الى أنَّ ادلة البراءة تختلف ألسنتها ولم يؤخذ الرفع فيها جميعاً فلا يأتي حديث أنَّ مفاد أدلة البراءة هو رفع التكليف الى آخر ما ذكره.

فالصحيح هو إمكان التمسك بدليل البراءة في الفرد المشكوك بلا محذور، وتُعارض بالبراءة في الطرف الداخل في محل الابتلاء، فيتساقطان ويتنجز العلم الإجمالي.

هذا هو الرأي الأول والتعليق عليه، ومنه يُعرف الرأي الثاني القائل بجواز الرجوع الى البراءة في الفرد المشكوك، وتبين مما ذكرناه أنه هو الصحيح لتحقق موضوع البراءة فيه من جهة الشك في الحكم الواقعي من حيث الشك في دخوله في محل الابتلاء أو خروجه عنه، فالشك في خروج بعض الأطراف ودخوله لا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية لا في الشبهة المفهومية ولا في الشبهة المصداقية، أما في المفهومية فعدم سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية مبني على محاولة المحقق العراقي قده المتقدمة إن تمت، وإن لم تتم كما تقدم فالعلم الإجمالي يسقط عن التنجيز.

وأما في الشبهة المصداقية فيبقى العلم الإجمالي على التنجيز لما ذكرناه أخيراً من جريان البراءة في الطرف المشكوك وأنها معارضة بالبراءة في الطرف الداخل في محل الابتلاء، فيتساقطان ويتنجَّز العلم الإجمالي، نعم إذا بنينا على ما ذكره السيد الخوئي قده من أنَّ البراءة لا تجري في الطرف المشكوك وتجري في الطرف الداخل في محل الابتلاء بلا معارض فيسقط العلم الإجمالي عن التنجيز.

فالصحيح عند الشك في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء هو عدم جواز التمسك بإطلاق دليل التكليف لإثباته فيه لا في المفهومية لما تقدم في الوجه الثالث – من عدم جواز التمسك بالإطلاق لأنَّ المتكلم ليس في مقام بيان من هذه الجهة – المتقدم، فلا تثبت المنجزية إلا إذا تمت محاولة المحقق العراقي قده، ولا في المصداقية لما ثبت في محله كبروياً من عدم جواز التمسك العام في الشبهة المصداقية للمخصص.

نعم يمكن إثبات المنجزية باعتبار جريان الأصل في المشكوك فيُعارض الأصل في الطرف الآخر ويتنجز العلم الإجمالي ولكن إذا تم ما ذكره السيد الخوئي قده.

logo