46/04/22
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
تبين مما تقدم أنَّ محاولة إثبات فعلية التكليف في الطرف المشكوك عن طريق التمسك بإطلاق دليل التكليف ليست تامة، وهو يعني أنَّ العلم الإجمالي لا يكون منجِّزاً.
محاولة المحقق العراقي لإثبات التنجيز:
وهناك محاولة أخرى ذكرها المحقق العراقي قده لإثبات منجزية العلم الإجمالي بعد الاعتراف بأنَّ العلم الإجمالي في المقام ليس علماً بالتكليف على كل تقدير، وحاصلها نحن نعلم بتكليف فعلي على تقدير وموضوعٌ لحكم العقل بالتنجيز على تقدير آخر، فيكون العلم الإجمالي علماً بما يقبل التنجيز على كل تقدير فيكون منجِّزاً.
وبيان ذلك: إنَّ الطرف المشكوك دخوله في محل الابتلاء يُشك في فعلية التكليف فيه، وهذا الشك نشأ من الشك في القدرة، لأنَّ الطرف المشكوك إن كان داخلاً في محل الابتلاء فالمكلف قادر عليه وإن كان خارجاً عنه فليس قادراً عليه، وإذا كان الشك في القدرة فالعقل يحكم بالمنجزية، فيجب فيه الاحتياط بحكم العقل، وذلك لأنَّ العقل لا يعتبر الشك في القدرة مؤمِّناً للمكلف بل يجب السعي في تحصيل المأمور به، فننتهي بهذا البيان الى التنجيز وإن لم يكن هناك علم بالتكليف على كل تقدير.
والحاصل: إنَّ القدرة العرفية كالقدرة العقلية ليست دخيلة في الملاك بل هي دخيلة في توجيه الخطاب للمكلف، وعليه يكون المورد من موارد الشك في القدرة مع العلم بالملاك، لأنه إن كان داخلاً في محل الابتلاء فهو قادر عليه وإن كان خارجاً فهو غير قادر عليه فلا علم بالتكليف على كل تقدير، لكنه يعلم بوجود الملاك ويشك في قدرته على استيفائه، وهذا من موارد الشك في القدرة التي يحكم العقل بوجوب الاحتياط فيها، وكما يحكم العقل بالاحتياط ولزوم تحصيل الغرض في موارد العلم بالتكليف والشك في القدرة العقلية على الامتثال كذلك الحال في موارد العلم بالغرض والشك في القدرة على تحصيله بالإتيان بالفعل، وبهذا تثبت المنجزية ونرفع اليد عما تقدم.
والجواب عنها:
كأنَّ ما ذكره فيه خلط بين الشك في القدرة على الامتثال وبين الشك في القدرة على العصيان، وما يوجب التنجُّز بحكم العقل هو الشك في القدرة على الامتثال، فلو شك في القدرة على الصلاة أو على الاتيان بالغسل الواجب فالعقل يحكم بوجوب تحصيله وإلا كان المكلف مستحقاً للعقاب بنظر العقل، فإذا وقع هذا المشكوك طرفاً في العلم الإجمالي فالعقل يحكم بالمنجزية والاحتياط.
ولكن المقام ليس من هذا القبيل وإنما هو من قبيل الشك في القدرة على العصيان لوضوح أنه قادر على الامتثال في المقام لأنَّ موافقة الأمر باجتناب النجس تحصل بالترك وهو مقدور حتى إذا كان خارجاً عن محل الابتلاء.
والحاصل: إنَّ التنجيز الذي يحكم به العقل عند الشك في القدرة يعني لزوم التصدي للامتثال ما لم ينكشف عدم القدرة، وهذا إنما يُتصور عند الشك في القدرة على الامتثال كما في مثال الغُسل، وأما عند الشك في القدرة على العصيان أي الفعل - مثل شرب النجس - فهو ليس مورداً لحكم العقل بالتنجيز لوضوح القدرة على الامتثال بالترك حتى مع فرض الخروج عن محل الابتلاء، فالشك في القدرة على العصيان وليس على الامتثال ولا معنى للتنجُّز إذ لا معنى لأن يقال أنَّ العقل يحكم بلزوم التصدي للعصيان بالشرب حتى يتبين عدم القدرة عليه! فلا يصح إثبات المنجزية استناداً الى كون المشكوك من موارد الشك في القدرة.
الى هنا يتم الكلام عن المقام الأول وهو في الشك بنحو الشبهة المفهومية.
المقام الثاني في الشك بنحو الشبهة المصداقية:
كما إذا شك في أنَّ الاناء المعلوم النجاسة بالإجمال هل هو في النجف فيكون داخلاً في محل الابتلاء أم هو في بلد آخر بعيد فيكون خارجاً عن محل الابتلاء، والكلام يقع في أنَّ العلم الإجمالي هل يسقط عن المنجزية فيجوز الرجوع الى البراءة في الطرف الداخل في محل الابتلاء، أو لا يسقط عنها لإمكان الرجوع الى إطلاق دليل التكليف فلا يجوز الرجوع الى البراءة؟
والكلام يقع في مقامين:
المقام الأول في أصل جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فإن أمكن التمسك بإطلاق الخطاب فالمنجزية باقية وإن لم يمكن فلا منجزية.
المقام الثاني وعلى تقدير عدم جواز التمسك بالعام فهل يمكن اجراء البراءة في الطرف المشكوك أم لا؟ وعلى تقدير جريانها تُعارض بجريانها في الطرف الداخل في محل الابتلاء فيتساقطان وتثبت المنجزية، وإما إذا منعنا من جريان البراءة في الطرف المشكوك فلا مانع من جريان البراءة في الطرف الداخل في محل الابتلاء.
أما المقام الأول فهو محل نزاع معروف، وفيه قولان:
الأول عدم الجواز، ودليله في محل الكلام هو نفس دليل الكبرى الكلية، إذ لا خصوصية في محل الكلام تستدعي جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
الثاني القول بالجواز في خصوص محل الكلام، وذلك باعتبار أنَّ المخصص في محل الكلام لُبي وهو حكم العقل بالاستهجان، مع القول بالتفصيل بين المخصص اللفظي وبين المخصص اللُبي، وعدم جواز التمسك بالعام في الأول دون الثاني.