46/04/18
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
كان الكلام في الشك في الخروج عن محل الابتلاء، بأن كان الشك ناشئاً من جهة اجمال مفهوم (الخروج عن محل الابتلاء) بأن كان مردداً بين الأقل والأكثر، وقلنا أنَّ معظم المحققين ذهبوا الى صحة التمسك بالإطلاق لإثبات وجوب الاجتناب عن الطرف المشكوك، انسياقاً منهم مع المبنى العام في الشبهة المفهومية إذا كان المخصص مجملاً مفهوماً ودائراً بين الأقل والأكثر، حيث اتفقوا على الرجوع الى العام في هذه الشبهة، بخلاف الشبهة المصداقية للمخصص حيث منعوا من الرجوع الى العام.
وخالف فيه صاحب الكفاية وذهب الى عدم صحة التمسك بالإطلاق، وتقدم الدليل عليه، وحاصله:
إنَّ التمسك بالإطلاق إثباتاً فرع إمكان الاطلاق ثبوتاً للتبعية، فلا بد من إحراز إمكانه ثبوتاً أولاً حتى يمكن التمسك به إثباتاً ثانياً، ومع عدم إحراز إمكانه ثبوتاً - لاحتمال خروجه عن محل الابتلاء فيستحيل ثبوت التكليف فيه - لا يمكن التمسك بالإطلاق إثباتاً.
وأجاب عنه المحقق النائيني بإنكار ذلك، وأنَّ الصحيح هو العكس، أي أننا نحرز الإمكان عن طريق التمسك بالإطلاق الاثباتي، لأنَّ الوقوع أدل دليل على الإمكان، والدليل موجود ومقتضى إطلاقه شمول الطرف المشكوك، هذا جوابه الحلي، كما أجاب عنه بالنقض أيضاً، وقد تقدم.
ويبدو أنَّ المحقق العراقي يوافق على كلا الجوابين بناءً على تفسير كلام المحقق الخراساني بما تقدم.
الدليل الثاني على عدم صحة التمسك بالإطلاق:
واستُدل له أيضاً بأنَّ المخصص في المقام لُبي فيكون كالمتصل بالعام، وعند إجمال المخصص المتصل بالعام لا يجوز التمسك بالعام، وتوضيح ذلك هو أنَّ المخصص المتصل والمجمل يسري إجماله الى العام ولا ينعقد له ظهور في جميع ما يُحتمل انطباق مفهوم المخصص عليه، ومن المعلوم أنَّ المخصص في المقام عقلي ضروري لأنَّ ضرورة العقل قاضية باستهجان النهي عما لا يمكن الابتلاء به عادة، فيكون من القرائن الحالية المتصلة المانعة من انعقاد الظهور، فإذا اشتبه حال المخصص وتردد أمره بين الأقل والأكثر لإجمال مفهومه فلا محالة يسري إجماله الى العام الدال على وجوب الاجتناب فلا يمكن التمسك به في موارد الشك.
الاعتراض على الدليل الثاني:
واعترض عليه أولاً بإنكار الصغرى فإنَّ الدليل اللُبي إنما يكون كالمتصل إذا كان حكماً عقلياً ضرورياً واضحاً كما في موارد قبح تكليف العاجز، ومحل الكلام ليس كذلك بشهادة وقوع الخلاف فيه، ومعه يكون بحكم المنفصل فيجوز التمسك بالعام والمطلق فيه لأنَّ اجماله لا يسري الى الدليل حتى يمنع من التمسك به.
وثانياً بمنع الكبرى، أي لو تنزلنا وسلمنا بأنَّ المخصص اللُبي كالمتصل لكن الكبرى غير مسلَّمة وذلك باعتبار أنَّ اجمال الخاص المتصل إنما يسري الى العام في فرض واحد وهو ما إذا كان المخصص عنواناً واقعياً ليس له مراتب متعددة مع تردد مفهومه بين الأقل والأكثر، كأكرم العلماء إلا الفاسقين، مع تردد مفهوم الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة والأعم منه ومن مرتكب الصغيرة.
وأما إذا كان عنواناً ذا مراتب مختلفة وعُلم بخروج بعض مراتبه عن العام وشُك في خروج بعض آخر فإجماله وتردده بين خروج جميع المراتب أو بعضها لا يسري الى العام لأنَّ الشك حينئذٍ يرجع الى الشك في التخصيص الزائد غير ما عُلم التخصيص به يقيناً، وفي مثله يُرجع الى العام لنفي التخصيص الزائد حتى إذا كان الخاص متصلاً.
وبعبارة أخرى إنَّ الخروج عن محل الابتلاء له مراتب وبعض مراتبه يُعلم بخروجه عن العام بالمخصص المتصل لكون عدم صحة توجيه الخطاب فيه واضحاً عند العقلاء وعند العرف، وبعض المراتب ليس فيها هذا الوضوح أي أنَّ العرف والعقلاء لا يستوضحون عدم صحة الخطاب فيها، ففي مثل هذا لا يكون خارجاً بالمخصص اللُبي المتصل فيُتمسك فيه بالعام لأنه من الشك في التكليف الزائد، بل نفس فرض تردد المخصص بين الأقل والأكثر مفهوماً يستلزم أن لا يكون حكم العقل بالنسبة الى المقدار الزائد ضرورياً كالمتصل.