46/04/15
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
كان الكلام فيما ذكره السيد الشهيد قده من دعوى الانحلال الحكمي في العلم الإجمالي الذي خرج بعض اطرافه عن محل الابتلاء، وذلك باعتبار أنَّ الأصل المؤمِّن لا يجري في الطرف الخارج عن محل الابتلاء دون الطرف الداخل في محل الابتلاء، وبذلك يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز، وبنى ما ذكره على مسألة التزاحم الحفظي وقد تقدم شرحه.
وذكرنا أنَّ ما ذكره يرد عليه ملاحظات:
الأولى: ملاحظة مبنائية، وهي إنَّ هذا الكلام يبتني على القول بالاقتضاء وأما إذا قلنا بالعلية التامة فلا يتم ما ذكره، لأنَّ الأصل لا يجري في الطرف الداخل في محل الابتلاء بناءً على العلية وإن لم يكن له معارض.
الثانية: وهي مبنائية أيضاً، وهي أنَّ هذا الكلام يبتني على القول بالتزاحم الحفظي، فإذا تعقلنا التزاحم في مورد أمكن جعل الأحكام الظاهرية، وإن لم نتعقل التزاحم الحفظي فلا يمكن جعل الحكم الظاهري، ويقول في محل الكلام التزاحم الحفظي غير معقول فلا يعقل جريان الأصل المؤمِّن في الطرف الخارج عن محل الابتلاء.
وجوابه مبنائي أيضاً، وهو أنَّ من لا يقول بالتزاحم الحفظي - بأن يقول أنَّ الأحكام الظاهرية الترخيصية تنشأ من مصلحة التسهيل النوعية – يتعقل جعل الأصل المؤمِّن مراعاة لمصلحة التسهيل النوعية، سواء كان هناك تزاحم حفظي أو لم يكن.
ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا بالتزاحم الحفظي - مع القول بالاقتضاء كما هو الصحيح - فهل يمكن جواب ما ذكره؟
الجواب: هناك ملاحظة ثالثة وليست مبنائية، وحاصلها هو أن يقال:
إنَّ التزاحم الحفظي إنما لا يُعقل ولا يتصور في موارد عدم القدرة العقلية، فلا يكون التكليف فعلياً كما لا يكون الغرض فعلياً، فكما لا يكون المكلف قادراً على الفعل لا يكون قادراً على تحقيق الغرض من الفعل كما هو واضح، وهذا يعني عدم فعلية التكليف ولا الغرض، وعليه لا يُزاحم هذا الغرض غير المقدور الغرض الترخيصي، فلا يعقل جعل الحكم الظاهري، وأما في محل الكلام – وهو الخروج عن محل الابتلاء - فالقدرة العقلية موجودة لكن الطرف خارج عن محل الابتلاء، ومعه يكون الغرض مقدوراً أيضاً، فلماذا يقال أنه لا يُزاحم الغرض الترخيصي؟
وعليه إذا كانت الأهمية للغرض اللزومي فيجعل الشارع الاحتياط، وإذا كان الغرض الأهم هو الغرض الترخيصي فيجعل البراءة وإن لزم منها ارتكاب المفسدة وتفويت الغرض اللزومي، فيمكن أن نتصور التزاحم الحفظي ونتعقل جعل الحكم الظاهري في هذا المورد كما نتعقل جعله في الطرف الداخل في محل الابتلاء.
والحاصل إنَّ فعلية التكليف في الطرف الخارج عن محل الابتلاء وفعلية الملاك والغرض منه وإمكان صدوره من المكلف وإن كان على خلاف العادة لا يجعل فارقاً مهماً بينه وبين الداخل في محل الابتلاء في تعقل التزاحم الحفظي، فإذا فرضنا اهتمام الشارع بالغرض اللزومي بنحو يريد حفظه على كل حال فلا بد أن يجعل الاحتياط، وإذا فرضنا العكس فيجعل البراءة.
نعم قد يقال بلغوية جعل البراءة في الطرف الخارج عن محل الابتلاء لأنَّ إطلاق العنان تشريعاً في مورد تقييد العنان تكويناً لا محصل له.
ويلاحظ عليه بأنَّ اللغوية مسلَّمة في غير المقدور عقلاً، وأما في المقام – الخروج عن محل الابتلاء – حيث فرض إمكان صدور الفعل من المكلف وإن كان على خلاف العادة فاللغوية غير واضحة، مضافاً الى إمكان تجاوز هذا المحذور بافتراض الخطاب العام في الحكم الظاهري الترخيصي الشامل بإطلاقه لمورد تقييد العنان تكويناً، لما تقدم من عدم وجود مؤنة وتصرف زائد في الاطلاق حتى يقال بأنه لغو وبلا فائدة، بل هو مقبول عرفاً بعد فرض امكان صدور الفعل.
وتلخص مما تقدم إنَّ التكليف بالاجتناب عن الطرف الخارج عن محل الابتلاء أمر ممكن ولا محذور فيه، لأنَّ الغرض من النهي احداث الداعي في نفس المكلف للاجتناب حيث يمكن أن ينقدح في نفس العبد إرادة الارتكاب، فإذا لم يكن هذا الانقداح ممكناً كان النهي عنه قبيحاً ومحالاً كما هو الحال في الخارج عن القدرة، وأما الخارج عن محل الابتلاء فإنقداح إرادة ارتكابه في نفس العبد ولو على خلاف العادة أمرٌ ممكن وليس ممتنعاً، فيكون النهي لإحداث الداعي للاجتناب عنه معقولاً أيضاً ولا لغوية فيه.
وعليه فالعلم الإجمالي لا يخرج عن المنجزية بكون أحد أطرافه خارجاً عن محل الابتلاء لا على أساس الانحلال الحقيقي كما تقدم وعلى أساس الانحلال الحكمي.
الانحلال الحكمي بدعوى أخرى:
وقد اتضح مما تقدم أنَّ دعوى الانحلال الحكمي بأنَّ الأصل المؤمِّن لا يجري في الطرف الخارج عن محل الابتلاء لعدم ترتب ثمرة عملية على جريانه وهو شرطٌ في جريانها غير واضحة بعد أن فرضنا امكان صدور الفعل من العبد بحسب الفرض ولو على خلاف العادة، كما فُرض إمكان انقداح الداعي للارتكاب فيكون حينئذٍ جريان الأصل المؤمِّن مما يترتب عليه الثمرة العملية والأثر العملي وهو التأمين من ناحية الفعل إذا حصلت فيه إرادة ارتكابه من قبل العبد.
خروج بعض الأطراف عن القدرة الشرعية
ألحَقَ المحقق النائيني قده بالخروج عن محل الابتلاء خروج بعض الأطراف عن القدرة الشرعية في سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، كما إذا كان أحد الاناءين المعلوم نجاسته اجمالاً ملكاً للغير.