46/04/10
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
تبين مما تقدم الفرق بين الاضطرار الى الفعل وبين الاضطرار الى الترك، ففي الأول لو تشكل علم إجمالي بلحاظ الملاك فلا يُعقل أن يحكم العقل بمنجزيته، وأما الثاني فلا يتشكل علم إجمالي بلحاظ التكليف ولكن يتشكل بلحاظ الملاك، ولا مانع من أن يحكم العقل بمنجزيته.
وبناءً عليه يصح كلام السيد الشهيد قده من التفصيل بين الموردين لأنه في الأول لا علم اجمالي بالملاك بعد ارتفاع الخطاب لما تقدم من احتمال ارتفاع الملاك واحتمال عدم ارتفاعه، فلا علم اجمالي لا بالملاك ولا بالخطاب فلا تنجيز، بخلاف الثاني فإنَّ الملاك باقٍ ومعلوم في الطرف الواقع مورد الاضطرار الى الترك، وإنما يرتفع الخطاب للاستهجان العرفي أو العقلي، فالملاك باقٍ ومحفوظ على كل تقدير.
ومن هنا لا علم بالتكليف على كل تقدير في الاضطرار الى الترك لكن هناك علم بالملاك على كل تقدير، فالملاك ثابت في أحد الطرفين فيتشكل علم اجمالي بلحاظ الملاك ويحكم العقل بالمنجزية والدخول في العهدة، نعم هذا العلم منحل حكماً لجريان الأصل المؤمِّن في الطرف المقدور، ولا يُعارض بالأصل المؤمِّن في الطرف مورد الاضطرار الى الترك لأنه لا معنى لإطلاق العنان شرعاً في المورد العجز عن الفعل عقلاً.
هذا تمام الكلام في البحث الذي ذكره السيد الشهيد قده.
وأما أصل البحث - أي الخروج عن محل الابتلاء – فالمراد به هو أنَّ العلم الإجمالي إذا كان أحد طرفيه خارجاً عن محل الابتلاء فهل يكون منجِّزاً أو لا، وأثر التنجيز يظهر في الطرف الداخل في محل الابتلاء.
هذا ولا بد من افتراض أنَّ الخروج عن محل الابتلاء حاصل قبل العلم الإجمالي، وأما إذا كان حاصلاً بعده فلا إشكال في المنجزية، ويكون التكليف دائراً بين الفرد الطويل الأمد وبين الفرد القصير الأمد الداخل في محل الابتلاء، وهذا علم اجمالي ينجِّز الفرد الطويل الأمد كما تقدم في الاضطرار والتلف.
والمراد من الخروج عن محل الابتلاء هو ما إذا كان الفعل لا يتحقق من المكلف لعدم ابتلائه به عادة، وإن كان يمكن أن يصدر منه عقلاً، كشرب الماء الموجود في مكان بعيد لا يصل إليه عادة، فإذا كان الخروج عن محل الابتلاء حاصلاً قبل العلم الإجمالي وقع الكلام في أنَّ هذا العلم هل يكون منجِّزاً أو لا يكون كذلك؟
إذن الخروج عن محل الابتلاء لا يرجع الى الامتناع العقلي، فلا بد أن يكون الدليل الدال على اعتبار عدمه غير الدليل الدال على اعتبار القدرة العقلية وعدم الامتناع العقلي.
والمنجزية المبحوث عنها في المقام رُبطت في كلام الأعلام بمسألة اشتراط التكليف بالقدرة العرفية – أي الدخول في محل الابتلاء - كما هو مشروط بالقدرة العقلية، فهل التكليف مشروط بها أو لا؟
فإذا قلنا بذلك – أي بالاشتراط - فلا علم اجمالي بالتكليف مع خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء، وأما على الثاني – أي عدم الاشتراط - فيوجد علم إجمالي بالتكليف على كل تقدير.
فهل يشترط التكليف بالقدرة العرفية أو لا؟
استُدل على الاشتراط بوجوه:
الوجه الأول بلزوم اللغوية كما في الكفاية وغيرها، وذلك باعتبار أنَّ الغرض من النهي هو إيجاد الداعي للترك في نفس المكلف، وهذا إنما يكون معقولاً إذا لم يكن هناك داعٍ وسبب آخر لترك الفعل وإلا فلا يبقى مجال لسببية وداعوية النهي فيكون لغواً.
وهذا إنما يصح فيما إذا كان الفعل داخلاً في محل الابتلاء وأمكن صدوره من المكلف عادة، وإلا فنفس الخروج عن محل الابتلاء يكون سبباً للترك ومعه يكون جعل النهي لغواً وبلا فائدة، ومرجع اللغوية المدعاة في المقام الى وجود محذور عقلي في نفس الخطاب للغوية مدلوله فيستحيل صدوره من الحكيم.
وهذا الوجه الذي ذُكر في الكفاية ذكره في النهي خاصة، ولعل السر في تخصيصه بالنهي هو أنَّ هذا الوجه لا يتم في الوجوب لأنَّ الغرض منه هو إيجاد الداعي للفعل، وهذا لا يتحقق بمجرد افتراض الخروج عن محل الابتلاء وكونه متوقفاً على مقدمات طويلة وعسيرة، نعم قد يُتصور وجود الداعي في نفس المكلف في أمثلة أخرى –كما في الانفاق على النفس - فيأتي فيه حديث اللغوية المتقدم.
والمناقشة فيه:
إنَّ مسألة لغوية الخطاب واستحالة صدوره من الحكيم تصح في الخطابات الجزئية التي يختص فيها النهي بحالة الخروج عن محل الابتلاء، وأما النهي العام الشامل للخروج عن محل الابتلاء بإطلاقه - كما إذا ورد (يحرم شرب الخمر) الشامل للأفراد الداخلة في محل الابتلاء والأفراد الخارجة عن محل الابتلاء - فلا يكون لغواً لمجرد كون أحد أفراده خارجاً عن محل الابتلاء، فأصل الخطاب ليس لغواً بلا إشكال، وأما إطلاق الخطاب فلا مؤنة زائدة فيه حتى تلزم اللغوية لأنَّ الاطلاق هو عدم لحاظ القيد وليس لحاظ عدم القيد، فلا وجه للغوية في التكاليف غير الجزئية.