« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

كان الكلام في الفرق بين الاضطرار الى الفعل والاضطرار الى الترك في كلام السيد الشهيد قده وقد ذكر أنَّ مبادئ النهي معلومة الثبوت على كل تقدير فيما إذا كان الاضطرار الى الترك في أحد طرفي العلم الإجمالي، وإن كان ليس كذلك بلحاظ الخطاب والتكليف، وهذا كافٍ في التنجيز لأنَّ ما يدخل في العهدة هو روح الحكم وإن لم يجعل المولى خطاباً على طبقه.

والسؤال هنا إذا كان الفعل الذي اضطر المكلف الى تركه قد سقط عنه الخطاب لأجل الاضطرار والعجز عنه بحسب الفرض فهل يُعقل أن يكون منجَّزاً على المكلف وداخلاً في عهدته عقلاً؟

قد يقال إنَّ سقوط الخطاب وارتفاع التحريم يعني عدم المنجزية، ولا معنى لحكم العقل بالتنجيز مع فرض سقوط الخطاب.

وبعبارة أخرى أنَّ العجز عن الفعل والاضطرار الى الترك عقلاً إذا كان موجباً لارتفاع الخطاب الشرعي فهو يوجب ارتفاع الحكم العقلي بالتنجيز والدخول في العهدة لا محالة، فكيف يمكن الجمع بين ارتفاع الخطاب من جهة وبين بقاء الحكم العقلي بالتنجيز من جهة أخرى؟!

والسر في ذلك هو أنَّ المكلف إذا كان عاجزاً عن شرب الخمر عقلاً فكما لا يُعقل تعلق خطاب الحرمة به كذلك لا يُعقل أن يكون منجَّزاً على العبد وداخلاً في عهدته عقلاً، إذ كيف يُعقل سقوط التحريم الشرعي مع بقاء الحكم منجَّزاً على المكلف، فهو يعني حكم العقل بمنجزية وحرمة ما حكم الشارع بعدم حرمته وعدم منجزيته؟!

وبعبارة ثالثة إنَّ العقل إنما يحكم بالمنجزية والدخول في العهدة في الموارد التي يُحتمل فيها التنجُّز والتحريم الشرعي رعاية لحق المولوية وحق الطاعة له، وأما الموارد التي سقط فيها التحريم والتنجيز الشرعي فلا معنى لأن تكون محكومة بالتنجيز والدخول في العهدة عقلاً، وذلك لأنَّ حكم العقل بالتنجيز حكم احترامي فإذا أسقط المولى نفسه الحرمة فيشكل تصور حكم العقل بالتنجيز في هكذا حالة.

ونفس التساؤل وارد في موارد الاضطرار الى الفعل حيث يسقط الخطاب والتحريم بلا اشكال، فهل يُعقل أن يحكم العقل بمنجزية هذا الفعل ودخوله في العهدة حتى إذا قلنا بعدم ارتفاع الملاك والمفسدة مع ارتفاع التحريم باعتبار أنَّ الاضطرار الى الفعل إنما يوجب رفع الخطاب لاستحالة التكليف بغير المقدور ولا ربط له بالملاك، وذلك لأنَّ عدم ارتفاع المفسدة لا يستلزم المنجزية عقلاً، لأنَّ ملاكات حكم العقل بالمنجزية لا تنطلق من وجود الملاك والمفسدة وإنما هي متربطة بمولوية المولى واحتمال أنه يريد الفعل أو الترك، وعليه يبقى الفعل ذا مفسدةٍ ارتفع عنه التكليف، فهل يمكن أن يحكم العقل بالمنجزية والدخول في العهدة أو لا ؟

ومنه يظهر أنَّ هناك مسألتين ينبغي عدم الخلط بينهما:

الأولى: إنَّ الخطاب والتكليف الشرعي إذا ارتفع في مورد بسبب الاضطرار وعدم القدرة هل يستلزم ارتفاع الملاك أو لا يستلزمه، فإذا اضطر المكلف الى شرب الخمر الحرام أو اضطر الى ترك الحج الواجب سقط عنه الخطاب بالتحريم والخطاب بالوجوب، فهل يعني ذلك أنَّ شرب الخمر في هذه الحالة يكون خالياً من المفسدة وأنَّ الحج في حالة الاضطرار الى الترك لا مصلحة فيه أو لا؟

الثانية: هل يمكن أن يحكم العقل بالمنجزية والدخول في العهدة في الموارد التي حكم الشارع فيها بعدم الدخول في العهدة وعدم الحرمة؟

أما المسألة الأولى فقد تقدم أنَّ السيد الشهيد قده احتمل ارتفاع الملاك كما احتمل ثبوته وقال إنَّ الاضطرار الى الفعل يوجب رفع التحريم بلا إشكال وقد ترتفع عنه المفسدة، وفي المقابل قد يقال بارتفاع المفسدة بدعوى أنَّ رفع التكليف هنا واقعي وهو يعني ارتفاع مبادئ الحكم أيضاً، وقد يقال بعدم ارتفاع الملاك وبقائه على حاله، بدعوى أنَّ الاضطرار الى الفعل إنما يقتضي الترخيص في الفعل لرفع الاضطرار ويكفي فيه رفع التحريم ولا يقتضي أزيد من ذلك.

والأقرب هو ما ذكره السيد الشهيد قده وهو لا جزم بأحد الأمرين.

أما المسألة الثانية فالصحيح فيها هو التفصيل بين ما إذا كان الاضطرار الى الفعل وبين ما إذا كان الاضطرار الى الترك، أما الأول فلا يحكم العقل بالمنجزية والدخول في العهدة بعد ارتفاع الخطاب إذ لا معنى لحكم العقل بهذا الحكم العقلي في المورد الذي أخرج الشارع فيه الفعل عن العهدة ورخص فيه، وبعبارة أخرى أنَّ الترخيص الشرعي في الفعل يستلزم عدم تنجزه على المكلف.

وأما الثاني فيمكن أن يقال بأنَّ العقل يحكم بالمنجزية بلحاظ العلم الإجمالي بالملاك وذلك لأنَّ رفع التحريم عن الفعل الذي يضطر المكلف الى تركه ويعجز عن فعله لا يعني الترخيص فيه وعدم دخوله في العهدة حتى يقال بعدم معقولية الحكم العقلي بالمنجزية والدخول في العهدة، وإنما هو لاستحالة وقوع الفعل من المكلف فلا يعقل النهي عنه بعدما كان المكلف عاجزاً عنه عقلاً، ومن الواضح أنَّ رفع الحرمة عن شرب الخمر مثلاً لعجز المكلف عن شربه عقلاً لا يعني ولا يستلزم الترخيص في الفعل.

logo