46/04/04
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
تبين مما تقدم أنَّ سبب الاختلاف في إلحاق حالة العجز العرفي عن الفعل أو الترك بالعجز العقلي عنهما هو الاختلاف في أنَّ الدخول في محل الابتلاء هل هو شرط في التكليف كما هو الحال في القدرة العقلية أو ليس شرطاً فيه، فإن قلنا أنه شرط في التكليف فتُلحق حالات العجز العرفي بالعجز العقلي، وتترتب كل الآثار المترتبة على العجز العقلي من ارتفاع التكليف وارتفاع العلم الإجمالي، وإن قلنا أنَّ الشرط هو القدرة العقلية فقط وأما الدخول في محل الابتلاء - أي القدرة العرفية - فليس شرطاً في التكليف فلا يُلحق العجز العرفي بالعجز العقلي.
فالكلام يقع في أنَّ التكليف هل هو مشروط بالدخول في محل الابتلاء، أو قل هل هو مشروط بالقدرة العرفية كما هو مشروط بالقدرة العقلية أو لا؟
ذهب المشهور الى الالحاق ورتب عليه عدم منجزية العلم الإجمالي إذا كان أحد طرفيه خارجاً عن محل الابتلاء، كما هو الحال إذا كان غير مقدور عقلاً، والسر في عدم منجزية العلم الإجمالي هو عدم العلم بالتكليف على كل تقدير.
وخالف السيد الخوئي قده في هذه المسألة وأنكر اشتراط التكليف بالقدرة العرفية ورتب على ذلك منجزية العلم الاجمالي إذا كان أحد الطرفين خارجاً عن محل الابتلاء.
وقبل الدخول في تفاصيل هذا البحث لا بد من الإشارة الى أنَّ اتفاق المشهور على سقوط التكليف بالاضطرار العقلي الى ترك الحرام - كما إذا كان عاجزاً عقلاً عن شرب الخمر أي مضطراً الى تركه - وسقوط العلم الإجمالي عن المنجزية إذا كان أحد أطرافه غير مقدور عقلاً مع سبق العجز على العلم الإجمالي، هل يفهم منه الالتزام بالانحلال الحقيقي كما هو الحال في الاضطرار العقلي الى فعل الحرام أو لا يفهم منه ذلك، بأن يفرقوا بين الاضطرار الى الفعل فيكون الانحلال فيه حقيقياً وبين الاضطرار الى الترك فيكون الانحلال فيه حكمياً؟
والتزم السيد الشهيد قده بالانحلال الحكمي في مورد الاضطرار الى الترك وإن كان الانحلال حقيقياً في مورد الاضطرار الى الفعل، وذلك باعتبار أنَّ الحالتين تتفقان في عدم صحة توجه النهي، فكما لا يصح نهي المضطر عقلاً الى شرب الخمر كذلك لا يصح توجيه النهي الى المضطر الى ترك شربه، وهذا يعني أنه لا علم اجمالي بالنهي في كلتا الحالتين، إلا أنهما يختلفان بلحاظ مبادئ النهي فالاضطرار الى الفعل يُشكل حصة من حصص الفعل مغايرة للحصة التي تصدر من المكلف حال الاختيار، وحينئذٍ يمكن أن نفترض أنَّ الحصة الواقعة عن اضطرار كما لا نهي عنها فكذلك لا مفسدة ولا مبغوضية فيها، أي أنَّ التكليف يرتفع خطاباً وملاكاً، وأنَّ المفسدة موجودة في الحصة الأخرى.
وأما الاضطرار الى الترك فلا يُشكل حصة خاصة من وجود الفعل فلا معنى لافتراض كون الفعل غير المقدور للمكلف ليس واجداً لمبادئ الحكم، فهناك فرق واضح بين المضطر الى أكل لحم الخنزير لحفظ حياته وبين المضطر الى ترك أكله لبعده عنه مثلاً، فالأول قد لا تكون فيه مبادئ الحرمة فإذا صدر من المكلف كان بلا مفسدة، وأما الثاني فمبادئ الحرمة موجودة فيه حتماً فإنَّ أكل لحم الخنزير البعيد عن المكلف المضطر الى تركه واجد للمفسدة لا محالة، وعدم النهي عنه ليس لأنه لا مفسدة فيه وإنما هو باعتبار أنه لا يمكن أن يصدر منه عقلاً، فالمرتفع هو النهي فقط من جهة الاستهجان دون المبادئ، بخلاف موارد الاضطرار الى الفعل إذا المرتفع فيه هو النهي مع المبادئ.
وعليه ففي حالة الاضطرار الى الفعل يمكن القول أنه لا علم إجمالي بالتكليف لا بلحاظ النهي ولا بلحاظ المبادئ، وأما في حالة الاضطرار الى الترك فالنهي وإن لم يكن ثابتاً على كل تقدير ولكن مبادئ النهي معلومة الثبوت إجمالاً على كل تقدير، وهو كافٍ في التنجيز لأنَّ ما يدخل في العهدة إنما هو روح الحكم وإن لم يُجعل خطاب على طبقه لأجل الاستهجان، وعليه فعدم التنجيز هنا على أساس الانحلال الحكمي لا على أساس الانحلال الحقيقي، وذلك باعتبار أنَّ الأصل المؤمّن يجري في الطرف الداخل في محل الابتلاء ولا يُعارض بالأصل في الطرف الخارج عن محل الابتلاء إذ لا معنى لجريانه فيه لأنَّ اطلاق العنان تشريعاً في مورد تقييد العنان تكويناً لا محصل له.