« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/04/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

ذكرنا أنَّ الشيء الخارج عن محل الابتلاء إذا كانت فيه مصلحة تقتضي الأمر به فلا يكون الأمر به مستهجناً مع افتراض القدرة عليه عقلاً، بخلاف النهي عن الشيء الخارج عن محل الابتلاء فإنَّ الغرض من النهي هو الترك وهو مضمون الحصول فيكون النهي عنه لطلب تركه مستهجناً، وهو من قبيل طلب الحاصل، فلا بد من التفريق بين التكليف التحريمي وأنه لا يتعلق بما هو خارج عن محل الابتلاء وبين التكليف الوجوبي فأنه معقول، هذا ما تقدم.

نعم إذا كان الفعل مضمون الحصول عادة وبحسب الطبع الأولي للإنسان وكان الترك خارجاً عن محل الابتلاء – عكس الفرض السابق – كما في إنفاق الانسان على نفسه واعتنائه بنفسه كان داخلاً في محل الكلام، فيقال هل يعقل الأمر به أم هو مستهجن كما يقال في باب النهي، فلا داعي لتخصيص النزاع بخصوص المحرمات، فيشمل الواجبات بهذا الشرط، وعليه فإذا قلنا بالاستهجان في باب النهي فنقول به في باب الأمر، وأما الأمر بما لا يكون مضمون الحصول بل يكون الترك مضمون الحصول فهو معقول جداً ولا استهجان فيه، ومنه يظهر بأنَّ البحث لا يختص بالمحرمات خلافاً للشيخ ووفاقاً للمحقق العراقي بالنكتة التي ذكرناها.

ثم إنَّ السيد الخوئي قده ذكر في الدراسات[1] تبعاً للمحقق النائيني قده أنَّ الميزان في صحة التكليف وعدمه إنما هو إمكان داعويته للمكلف، وليس الميزان في صحة التكليف هو فعلية الداعوية، فكل فعل أو ترك يستند الى اختيار المكلف وإرادته يصح تعلُّق التكليف به وجوباً كان أو تحريماً، حتى إذا فرضنا أنه كان حاصلاً بحسب العادة، وأما إذا فُرض تحقق الفعل من دون الاستناد الى إرادة المكلف فلا يصح التكليف به.

وهذا الميزان طبقه المحقق النائيني قده على الفعل في الواجبات دون الترك في المحرمات، وذلك باعتبار أنَّ متعلق التكليف الوجوبي هو الفعل ومن الواضح أنَّ تحققه في الخارج يستند الى اختيار العبد وإرادته حتى إذا كان مفروض الحصول عادة، إذ لا يكفي في تحقق الفعل خارجاً مجرد كونه مفروض الحصول عادة بل لا بد من تدخل إرادة المكلف واختياره في البين حتى يتحقق، فيصح حينئذٍ تعلق التكليف به لكونه يستند الى اختياره فيمكن أن يكون التكليف داعياً الى اختيار الفعل، هذا في التكليف الوجوبي.

وأما التكليف التحريمي فيكون متعلقه هو مجرد الترك لأنَّ المطلوب بالنهي هو عدم حصول المفسدة الحاصل بإبقاء العدم وعدم نقضه بالوجود، فإذا كان هذا حاصلاً بنفسه عادة بلا حاجة الى توسط إرادة العبد واختياره فلا يصح تعلق التكليف التحريمي به لأنَّ حصوله لا يستند الى الاختيار والإرادة بل هو حاصل بنفسه، والتكليف بترك ما يكون متروكاً عادةً كالتكليف بترك ما يكون متروكاً عقلاً من حيث اللغوية والاستهجان.

ويفهم منه اخراج التكليف الوجوبي عن محل النزاع لعدم وجود أي محذور أو استهجان في تعلقه بما هو مضمون الحصول فلا يقع الكلام في معقوليته أو استهجانه، نعم الاستهجان يمكن أن يدعى في التكليف التحريمي فيدخل في محل النزاع، وهو يوافق رأي الشيخ الأنصاري قده.

وأما السيد الخوئي قده فقد طبق هذا الميزان على كلٍ من الواجبات والمحرمات والتفريق بينهما لا وجه له، وانتهى بالنتيجة الى صحة التكليف فيهما، أي أنه كما يصح التكليف الوجوبي بما هو خارج عن محل الابتلاء – أي بما يكون مضمون الحصول والتحقق - فلا بد أن يصح تعلق التكليف التحريمي بما هو خارج عن محل الابتلاء، لأنَّ صحة تعلق الوجوب به تستلزم أن يكون مقدوراً وإذا كان فعله مقدوراً لا بد أن يكون تركه مقدوراً واختيارياً، لأنَّ الفعل الممكن كما يكون وجوده مستنداً الى اختيار الفاعل فكذلك لا محالة يكون عدمه مستنداً الى اختيار الفاعل ومعه يصح تعلق النهي به.

والتعليق عليه:

تقدم أنَّ الصحيح هو عدم الفرق بين الواجبات والمحرمات في الدخول في محل النزاع لتوفر حيثيات النزاع في كل منهما، فكما يقع الكلام في صحة النهي عن الفعل الخارج عن محل الابتلاء الذي يكون تركه مضموناً كذلك يقع الكلام في صحة الأمر بالفعل الذي يكون مضمون الحصول والتحقق، وكل ما يقال لإثبات الصحة وعدمها في المحرمات يجري في الواجبات.

الملاحظة على كلام المحقق النائيني:

وأما ما ذكره المحقق النائيني - من أنَّ المطلوب في النهي هو ترك الفعل وعدم حصول المفسدة وأنه حاصل بنفسه فلا معنى للنهي عنه – فغير واضح لأنه لا يعني سلب قدرة المكلف على الفعل وعدمه، فكما أنَّ الفعل يحتاج الى إعمال الإرادة والاختيار فكذلك الترك، فكما أنه يريد الفعل فيتحرك نحو الاتيان به فكذلك يريد الترك فلا يتحرك نحو الاتيان به، فكل منهما مقدور للمكلف وليس واجباً عليه، فلا فرق بين الواجبات والمحرمات في الدخول في محل النزاع.


logo