46/04/02
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
إذا كان بعض الأطراف المعين في الشبهة التحريمية مقدوراً عقلاً لكنه غير مقدور عرفاً كما لو كان يتوقف على مقدمات شاقة وكثيرة من قبيل لبس ثوب السلطان أو التزويج بابنته كما مثلوا، فهو ممكن عقلاً لكنه غير مقدور عرفاً، والكلام يقع في أنَّ غير المقدور عرفاً هل يُلحق بغير المقدور عقلاً من حيث سقوط التكليف أو لا؟
فإذا فرضنا أنَّ طرف العلم الإجمالي كان غير مقدور عرفاً وكان متقدماً على العلم الإجمالي فهل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية أو لا، فإن قلنا إنه يُلحق به فهو يمنع من منجزيته، وإن قلنا أنه لا يُلحق به لأنَّ التكليف مشروط بالقدرة العقلية فمع العجز العقلي يسقط التكليف وليس التكليف بالقدرة العرفية فلا يسقط مع العجز العرفي إذا كان مقدوراً عقلاً فلا يكون مانعاً من منجزية العلم الإجمالي في الفرض المذكور.
ويُعبر عن العجز العرفي بالخروج عن محل الابتلاء، ويُراد به ما يُضمن به عدم صدور الفعل من المكلف بحسب العادة، فكل فعل لا يصدر من المكلف كذلك فهو خارج عن محل الابتلاء.
الظاهر أنَّ النزاع في هذه المسألة ليس في الكبرى وإنما النزاع في الصغرى، أي أنَّ التكليف لو كان مشروطاً بالقدرة العقلية فقط فلا إشكال في أنَّ العجز العرفي لا يوجب سقوط التكليف، وفي محل الكلام لا يكون العجز العرفي موجباً لسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، وكذا لو قلنا أنَّ التكليف مشروط بالقدرة العرفية كما هو مشروط بالقدرة العقلية فكذلك النتيجة واضحة وهي سقوط التكليف مع العجز العرفي، فإذا كان سابقاً على العلم الإجمالي فهو يوجب عدم منجزيته، وإنما النزاع في الصغرى أي أنَّ التكليف هل هو مشروط بالقدرة العرفية أو لا؟
ثم إنه على تقدير الاشتراط فهل يختص ذلك بالتكليف التحريمي فالفعل الخارج عن محل الابتلاء لا تكون الحرمة فيه فعلية - لأنَّ الغرض منها هو خلق الداعي في نفس المكلف لعدم صدور الفعل وهو هنا مضمون الحصول - أو يشمل التكليف الوجوبي فالوجوب لا يكون فعلياً مع خروج متعلقه عن محل الابتلاء؟
قالوا بأن ظاهر الشيخ الأنصاري قده هو الاختصاص بالمحرمات، وعللوا ذلك بعدم وجود محذور بالأمر بما هو خارج عن محل الابتلاء بخلافه في النهي فإنَّ المحذور فيه - وهو الاستهجان - موجود، وأما الأمر فقد تكون في الفعل مصلحة ملزمة تقتضي الأمر به وإلزام المكلف بتحصيل مقدماته لأنَّ المفروض هو القدرة على الفعل.
وخالفه المحقق العراقي قده وذكر بأنَّه لا فرق بينهما وذلك باعتبار أنَّ الاستهجان المانع من تعلق التكليف التحريمي بما هو خارج عن محل الابتلاء موجود في الأمر به أيضاً، وذكر بأنَّ المناط في استهجان توجيه الخطاب إنما هو استبعاد وصول المكلف الى العمل بحيث يُعد غير قادر عليه عادة، وهو موجود في التكليف الوجوبي كما هو موجود في التكليف التحريمي.
لكن الصحيح هو أنَّ الأمر به إذا كانت هناك مصلحة تقتضيه ليس مستهجناً عرفاً حتى إذا كانت له مقدمات كثيرة وشاقة مع كونه ممكناً عقلاً بحسب الفرض، بخلاف النهي وذلك لأنَّ نفس خروج الشيء عن محل الابتلاء يضمن عدم صدوره من العبد فلا معنى للنهي عنه، لأنَّ الغرض من النهي هو التوصل الى عدم صدوره وهو حاصل بالفعل، ومن الواضح أنَّ هذه النكتة للاستهجان ليست موجودة في الأمر لأنَّ الغرض من الأمر هو التوصل الى صدور الفعل وهو غير مضمون الحصول بالخروج عن محل الابتلاء، بل لعل الأمر بالعكس بحسب العادة فالأمر به يحقق شيئاً لم يُفرض حصوله فلا يكون مستهجناً، فرأي الشيخ الأنصاري هو الأقرب للقبول.