46/03/24
التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي- الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي/ تنبيهات العلم الإجمالي /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي- الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
كان الكلام في التنبيه الثاني من تنبيهات الاضطرار الى بعض الأطراف، وكأنّ المراد به هو أنَّ الترخيص الثابت في محل الكلام ليس ترخيصاً ظاهرياً وإنما هو ترخيص واقعي، ويترتب على ذلك المنافاة مع التكليف الموجود في الطرف المختار على تقدير المصادفة للحرام الواقعي فيقتضي ارتفاع التكليف الواقعي، وهذا يؤدي الى التوسط في التكليف.
وأما إثبات أنَّ الترخيص واقعي فباعتبار أنَّ الدليل عليه هو الحديث المتقدم (ما حرّم الله شيئاً إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه)[1] فيقال هذا شيء اضطر إليه المكلف فهو حلال له، وهذه حلية واقعية وليست ظاهرية، وهي في واقع الأمر ترخيص في الجامع لأنَّ المفروض في المقام الثاني أنَّ الاضطرار الى الجامع، فإذا ثبت أنَّ الجامع حليته واقعية وأنَّ الترخيص فيه واقعي فحينئذٍ يقال إنه بناءً على السراية يصبح الفرد حلالاً واقعاً والترخيص فيه واقعي، وهذا ينافي التكليف الواقعي فيه على تقدير المصادفة، ويقتضي ارتفاعه فلا يكون التكليف معلوماً على كل تقدير.
ويلاحظ عليه: بأنَّ الحديث المتقدم في مقام بيان أنَّ الاضطرار يمنع من تأثير مقتضي الحرمة في الحرمة، أي أنَّ المستفاد منه هو أنَّ الحرمة ترتفع في مورد الاضطرار، وأما إثبات الحلية والترخيص فلا يُستفاد منه حتى يقال إنَّ الترخيص الثابت هو ترخيص واقعي بناءً على السراية فيكون منافياً للتكليف الواقعي.
وبناءً على ما تقدم لا يكون الحديث شاملاً لمحل الكلام، ولا يصح الاستدلال به على ثبوت الترخيص وذلك باعتبار أنَّ الحديث يشمل ما يكون مورداً لكل من الاضطرار والحرمة، أو قل أنَّ الاضطرار في مورد يوجب ارتفاع الحرمة عنه، وهذا لا يمكن تطبيقه في محل الكلام لأنَّ ما تعلقت به الحرمة شيء - وهو الفرد على تقدير المصادفة - وما هو مورد للاضطرار شيء آخر - وهو الجامع - فما هو مورد الاضطرار ليس متعلقاً للحرمة، وما هو مورد للحرمة ليس مورداً للاضطرار فكيف يصح تطبيق الحديث في محل الكلام؟!
قد يقال: إذا بنينا على السراية يتحد الموردان فيكون الفرد مورداً للحرمة وللاضطرار فيشمله الحديث.
أقول: الكلام المتقدم لا يمكن تتميمه - بنحو يندفع به هذا الاشكال - إلا إذا أنكرنا السراية، وقد تقدم عن المحقق النائيني قده تقريب السراية بدعوى أنه يصدق عرفاً الاضطرار الى الفرد، ولكن لم نقبل ذلك لا عقلاً ولا عرفاً، والنكتة في منع السراية هي أنَّ الحلية والترخيص تابع للاضطرار، فإذا كان الاضطرار متعلقاً بالجامع فالترخيص يثبت في الجامع، وإذا قلنا بسراية الاضطرار من الجامع الى الفرد فالترخيص يثبت في الفرد، والصحيح كما تقدم هو أنَّ الاضطرار متعلق بالجامع ولا موجب للالتزام بالسراية الى الفرد، بل حتى عرفاً المكلف مضطر الى الجامع لا الى الفرد، فالإشكال باقٍ، ولا يصح التمسك بالحديث، وعليه لا يتم ما قيل من أنَّ الترخيص واقعي استناداً الى هذا الحديث.
وبعد استبعاد الترخيص الواقعي يقع السؤال عن أنَّ الترخيص في محل الكلام - والذي لا إشكال في ثبوته - هل هو ترخيص شرعي ظاهري أم هو ترخيص عقلي؟
الظاهر أنه لا بد من التفريق في الاضطرار بين موارد العجز العقلي والعجز الشرعي من جهة، وبين موارد الحرج والضرر من جهة أخرى، فنقول لا دليل على الترخيص الشرعي الظاهري في مورد العجز العقلي والعجز الشرعي لعدم الدليل إلا الحديث السابق، وقد عرفت أنَّ مفاده هو رفع الحرمة بسبب الاضطرار، بل حتى لو دلَّ على الحلية - كما لا يُستبعد ذلك - لكنها حلية واقعية لا ظاهرية، والمفروض استبعاد الحلية الواقعية كما تقدم، كما لا يمكن التمسك بأدلة الأصول العملية المؤمِّنة في المقام لأنها تُفيد الترخيص التعييني والثابت في المقام هو الترخيص التخييري.
نعم لا اشكال في أنَّ الترخيص العقلي ثابت في المقام باعتبار الاضطرار وهذا الترخيص ظاهري، أي أنَّ للجهل دخلاً فيه، إذ لولا الجهل بالحرام الواقعي لما حكم العقل بالترخيص في أحدهما وإنما يحكم بلزوم ترك معلوم الحرمة ورفع الاضطرار بالطرف الآخر، فهو نظير حكم العقل بالاحتياط والبراءة فإنها كلها أحكام ظاهرية تثبت في حال الجهل.
نعم الترخيص في موارد الحرج شرعي مستفاد من أدلة نفي الحرج، وقد عرفت أنَّ الحرج لم ينشأ من الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال وإنما نشأ من ايجاب الموافقة القطعية - أي ايجاب الاحتياط – فيكون هو المرفوع بهذه الأدلة لا الحكم الواقعي، فيثبت الترخيص في أحد الطرفين ويكون ترخيصاً ظاهرياً ثابتاً في حال الجهل بالحرام الواقعي، فكل من الاحتياط التام ورفعه بالترخيص في أحدهما حكم شرعي ظاهري.
والنتيجة إنَّ الترخيص في جميع موارد الاضطرار الى أحدهما غير المعيَّن ظاهري، نعم هو عقلي ظاهري في موارد العجز التكويني والشرعي، وشرعي ظاهري في موارد الحرج والضرر وأمثالهما.
التنبيه الثالث: سقوط التكليف بغير الاضطرار
إذا فرضنا أنَّ التكليف في أحد الطرفين سقط بسبب آخر غير الاضطرار كالتلف أو الامتثال فيكون من قبيل الاضطرار الى أحدهما بعينه، فهل يجري فيه التفصيل المتقدم في المقام الأول أو لا؟
الظاهر أنه يجري، بمعنى أنه إذا كان التلف متأخراً عن العلم الإجمالي فيبقى العلم الإجمالي على المنجزية بالنسبة الى الطرف الآخر لتشكل علم إجمالي بين طرفين أحدهما قصير ينتهي أمده بالاضطرار وبالتلف في محل الكلام، والآخر طويل يمتد التكليف فيه.