46/03/18
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
تقدم أنَّ الميزان في كون الترخيص واقعياً هو أن يكون الاضطرار هو العلة في ثبوته من دون أن يكون للجهل دخل في ثبوته، بينما الميزان في الترخيص الظاهري هو أن يكون للجهل دخل في ثبوته، وحينئذٍ يقال حيث أنَّ الترخيص في المقام الأول – أي الاضطرار الى أحدهما بعينه - واقعي فلازمه أن يكون التوسط في التكليف لأنه يكون ثابتاً على تقدير ولا يكون ثابتاً على تقدير آخر.
وأما في المقام الثاني - أي الاضطرار الى أحدهما لا بعينه - فقد تقدم أنَّ مقرر فوائد الأصول ذكر بأنَّ فيه وجهين وذلك باعتبار أنَّ الاضطرار والجهل كل منهما دخيل في الترخيص في هذا المقام، أما الاضطرار فواضح وأما الجهل فلأنه لو كان عالماً بالحرام لتعيَّن عليه اجتنابه ورفع اضطراره بالطرف الآخر، فإذا لاحظنا جهة الجهل يكون الترخيص ظاهرياً وإذا لاحظنا جهة الاضطرار يكون الترخيص واقعياً، وأما وجه كونه واقعياً فباعتبار أنَّ الترخيص لا ينافي التكليف الواقعي بل يجتمع معه لأنه ليس ترخيصاً في متعلق التكليف الواقعي كما هو الحال في المقام الأول وإنما هو ترخيص في ارتكاب أحد الطرفين، وبالرغم من ذلك فقد ذكر المحقق النائيني محاولة لبيان أنَّ الترخيص في المقام هو ترخيص واقعي وحاصلها:
أنَّ الاضطرار في المقام يمكن أن يُدعى كونه منافياً للتكليف الواقعي في حال الجهل بالموضوع المفروض في محل الكلام فإنَّ المكلف الجاهل بالحرام إذا ارتكب هذا الطرف لرفع اضطراره وصادف كونه الحرام الواقعي يكون مصداقاً للمضطر ويقال له مضطر الى الحرام بالحمل الشائع وإن كان يمكنه رفع اضطراره بالطرف الآخر واقعاً، وإذا صدق الاضطرار الى الحرام فالترخيص يكون واقعياً لأنَّ التكليف يرتفع واقعاً عندما يضطر المكلف الى ارتكاب متعلقه وهو هنا وإن كان غير مضطر الى ارتكابه حقيقة لأنه يتمكن من رفع اضطراره بغيره إلا أنه لما كان جاهلاً بالحرام وارتكب هذا الطرف لرفع اضطراره وصادف الحرام اعتُبر مضطراً الى ارتكاب الحرام كما هو الحال في المقام الأول ومعه يكون ارتفاع التكليف واقعياً والترخيص كذلك.
كما ذكر المقرر أنَّ المحقق النائيني مال الى التوسط في التكليف في محل الكلام في ابتداء الأمر لكنه عدل عنه واختار الترخيص الظاهري والتوسط في التنجيز في مقام آخر.
وذكرنا أنَّ المحقق النائيني ذهب الى منع المنافاة بين الترخيص التخييري الثابت بالاضطرار وبين التكليف الواقعي وأنَّ الترخيص يكون ظاهرياً، ويترتب عليه بقاء العلم الإجمالي على حاله غاية الأمر أنه لا ينجِّز وجوب الموافقة القطعية لأنَّ المفروض الترخيص في ارتكاب أحد الطرفين، ولكنه يبقى على تنجيزه لحرمة المخالفة القطعية، وهذا هو التوسط في التنجيز.
وذكر في التقرير أنه في المقام الأول يكون التوسط في التكليف، وأما في المقام الثاني فقال: (ففي اقتضائه التوسط في التنجيز أو في التكليف كما اختاره الشيخ وجهان) ، فبحسب المقرر يظهر أنَّ المحقق النائيني مال الى الأول ثم عدل الى الثاني، هذا ما يُفهم من كلامه في فوائد الأصول[1] .
وأما في أجود التقريرات فالظاهر أنه ذكر وجهاً آخر يشبه التوجيه الذي وجَّه به كون الترخيص واقعياً وهو أنه يصدق عرفاً على المكلف أنه مضطر لارتكاب الحرام.[2]
ويلاحظ على هذا التقريب أنه مبني على دعوى سريان الاضطرار من الجامع الى الفرد عرفاً، وهو ممنوع لأنَّ الاضطرار عقلاً بل حتى عرفاً ليس الى الحرام الواقعي بل الى الجامع ولا وجه لسريانه الى الفرد، فالتكليف الواقعي لا يرتفع في المقام ويبقى على حاله مما يعني أنَّ التوسط ليس في التكليف وإنما هو في التنجيز.
وأما المحقق العراقي فقد ذكر أنه بناءً على مسلك العلية التامة لا يجوز الترخيص في أحدهما، فإذا ثبت الترخيص يكون منافياً للتكليف الواقعي فيرتفع التكليف الواقعي، ومع ارتفاعه لا يبقى علم اجمالي حتى ينجِّز حرمة المخالفة القطعية، لكنه ذكر أنَّ هذه المنافاة لا تقتضي ارتفاع التكليف من أساسه وإنما تقتضي رفع اليد عن إطلاق التكليف في هذا الطرف إذا اجتنب الطرف الآخر.
ولوحظ عليه بأنَّ إنكار المنافاة بينهما إنما يتم على القول بالاقتضاء وأما على القول بالعلية فالمنافاة ثابتة لأنَّ الترخيص في أحدهما تفكيك بين العلة التامة وبين معلولها وهو غير معقول فيكون الترخيص منافياً للتكليف ويقتضي ارتفاعه.
والكلام هنا في أنَّ العلية التامة هل تقتضي المنافاة بين الترخيص وبين التكليف الواقعي أو لا منافاة بينهما حتى على العلية التامة؟
والذي يقال في المقام هو أنَّ العلية التامة يراد بها كون العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي فيما له من أثر في مقام التنجيز، فكما أنَّ العلم التفصيلي بالتكليف يكون منجزاً للتكليف ولا يكون تنجيزه له معلقاً على عدم ورود الترخيص من الشارع فكذا العلم الإجمالي تنجيزه ليس معلقاً على عدم ورود الترخيص بل يكون تنجيزه له فعلياً، وهذا يعني أنَّ الشك المفروض وجوده في العلم الاجمالي ليس مؤمِّناً لأنه وصول تام للتكليف كالعلم التفصيلي.
ومن الواضح أنَّ هذا لا ينافي وجود مؤمِّن آخر يمنع من تنجُّز التكليف ولو ببعض مراتبه من دون أن يكون هذا موجباً لنقص في تأثير العلم الاجمالي في التنجيز مثل العجز والاضطرار، وهذا يعني أنَّ العلم الإجمالي لا ينجِّز الامتثال القطعي، وهو يعني امكان الالتزام بالعلية التامة لوجوب الموافقة القطعية مع عدم تنجيزه لتمام التكليف أو لبعض مراتبه.