46/03/07
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
تقدم بيان الوجه الأول للقول بالمنجزية وهو المنسوب للمحقق النائيني قده في رأيه القديم، كما تقدم جوابه.
والتعليق عليه:
إنَّ هذا الجواب إنما يتم إذا كان مقصوده هو إجراء الاشتغال بلحاظ مرحلة ما بعد الاضطرار، وهو صحيح إذ لا علم حينئذٍ بالتكليف على كل تقدير وانما هناك شك به وهو مجرى للبراءة، وأما إذا كان مقصوده هو إجراء الاشتغال بلحاظ مرحلة ما قبل الاضطرار فالجواب غير صحيح لأنه حينئذٍ عالم بالتكليف، وهذا الشك شك بالسقوط بعد العلم بالتكليف وهو مجرى لقاعدة الاشتغال، وواضح أن مقصوده هو الثاني ولذا ادعى العلم بالتكليف وأنّ الشك في سقوط التكليف لا في أصله وهو مجرى لأصالة الاشتغال، وعليه لا يصح أن يقال إننا نعلم بسقوط التكليف في الطرف المضطر إليه ونشك في ثبوته في الطرف الآخر في ذلك الزمان، بل الصحيح أن يقال إننا نعلم بثبوت التكليف الفعلي من أول الأمر إما في الطرف الذي اضطر إليه أو في الثوب، غاية الأمر إنّ هذا العلم الإجمالي متأخر عن الاضطرار ومتعلقه سابق على الاضطرار، كما إذا علم يوم السبت بنجاسة أحد الشيئين يوم الجمعة.
والحاصل إنَّ المحقق النائيني قده يريد أن يقول كما إنّ العلم الإجمالي الحاصل قبل الاضطرار يكون منجِّزاً للتكليف ومانعاً من إجراء البراءة، ولا يمنع منه حصول الاضطرار بعد ذلك، كذلك العلم الإجمالي المتأخر عن الاضطرار إذا تأخر عن العلم بالتكليف السابق على الاضطرار كما في المقام، فاذا صح ذلك فلا مجال للقول بأن الشك ليس في سقوط التكليف المنجَّز حتى يكون مورداً للاشتغال، بل في أنَّ التكليف هل تعلق بالطرف المضطر إليه حتى يسقط أو بالطرف الآخر حتى يبقى ويكون شكاً في التكليف، بل الصحيح بناء على ذلك أن يقال أنَّ الشك في سقوط التكليف المنجَّز من جهة حدوث الاضطرار بعده كما هو الحال في الصورة الثانية.
فكأنه يريد القول إنَّ الصورة الثالثة ملحقة بالصورة الثانية غاية الأمر أنَّ العلم الإجمالي في الصورة الثانية متقدم على الاضطرار وهنا متأخر عنه، لكن متعلقه متقدم على الاضطرار وهذا لا يوجب الفرق بينهما، فكل منهما يوجب العلم بالتكليف، فلا محالة بعد حصول الاضطرار يكون الشك في سقوط هذا التكليف وهو مجرى لأصالة الاشتغال.
هذه خلاصة الوجه الأول.
والجواب الصحيح عنه هو إنكار أن يكون العلم الإجمالي المتأخر المتعلق بالتكليف السابق منجِّزاً لذلك التكليف ومانعاً من إجراء الأصل المؤمِّن في أطرافه، بل لا معنى لذلك، وذلك لأنَّ التنجيز يعني وجوب الطاعة ولزوم الامتثال عقلاً وحرمة المعصية عقلاً، وهو غير متصور بالنسبة الى التكليف السابق إذ لا مجال لإطاعته ومخالفته، بل هو غير معقول لأنَّ المفروض أنَّ علة تنجيز التكليف هو العلم الإجمالي فكيف يعقل تحقق التنجيز قبل تحقق العلم الإجمالي! نعم قد يترتب شرعاً على التكليف في الزمان السابق أثرٌ وتكليف في الزمان الحاضر كالقضاء مثلاً، وهذا شيء آخر غير محل الكلام لأننا نتكلم في كون العلم اللاحق مؤثراً في تنجيز التكليف في وقت سابق، أي في لزوم إطاعته وقبح معصيته في الزمان السابق وهو غير معقول.
ونفس الكلام يقال في العلم التفصيلي، كما إذا علمنا تفصيلاً بنجاسة الماء الذي اغتسلنا به قبل أيام فإنه لا يكون مؤثراً في تَنجُّز التكليف بالنجاسة في الزمان السابق، وإنما يكون مؤثراً في القضاء وفي تنجيز التكليف بالنجاسة الآن وهذا غير متصور في المقام، أي أنَّ العلم الإجمالي المتأخر عن الاضطرار كما لا يصلح لتنجيز التكليف قبل الاضطرار كذلك بعد الاضطرار لاحتمال أن تكون النجاسة في الطرف المضطر إليه فلا يكون موجباً لحدوث التكليف فيه لمكان الاضطرار فلا يكون منجَّزاً، وهذا هو الفارق بين هذه الصورة وبين الصورة الثانية فإنَّ العلم الإجمالي في الصورة الثانية لما كان متقدماً على الاضطرار أمكن أن يُنجِّز التكليف قبل الاضطرار، ولا يكون الاضطرار المتأخر مانعاً من ذلك لأنه يُنجِّز التكليف على كلا التقديرين إما في الفرد القصير في فترة ما قبل الاضطرار، وإما في الفرد الطويل مطلقاً وعلى طول أمده، وهو التنجيز المبحوث عنه في المقام، بخلاف هذه الصورة الثالثة فإنَّ العلم الإجمالي فيها متأخر عن الاضطرار بحسب الفرض فلا يكون منجِّزاً للتكليف لا قبل الاضطرار لعدم العلم ولا بعده لمنع الاضطرار من التنجيز.
هذا هو الوجه الأول للاستدلال على المنجزية وقد تبين أنه غير تام.
الوجه الثاني ما ذكره السيد الخوئي قده وحاصله:
إننا نعلم بثبوت تكليف قبل زمان الاضطرار ولا يُعلم أنه في الفرد القصير أي في الطرف المضطر إليه أو في الفرد الطويل غير المضطر إليه، وهذا الشك يوجب الشك في بقاء جامع التكليف المعلوم فيمكن استصحاب بقاءه، ويكون من استصحاب الكلي من القسم الثاني، نظير استصحاب الحدث بعد الوضوء عند التردد بين الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وهذا الاستصحاب وإن كان لا يثبت به الفرد الطويل إلا بناء على الأصل المثبت لكنه بعد أن ثبت التكليف بالجامع بالاستصحاب فالعقل يحكم بلزوم الخروج عن عهدته جزماً، ولا يكون ذلك إلا بامتثال الفرد الطويل، وهو معنى منجزية العلم الإجمالي للطرف غير المضطر إليه.