46/03/05
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
كان الكلام في الصورة الثانية من صور الاضطرار الى أحد الطرفين بعينه، وهي التي فرض فيها تأخر الاضطرار عن التكليف وعن العلم به، وذكرنا أنها هي محل الخلاف بينهم، وأنَّ الشيخ الأعظم ذهب الى عدم الانحلال وبقاء التنجيز، فلا بد من الاحتياط بلحاظ الطرف الآخر غير المضطر إليه، وأما صاحب الكفاية فله رأيان ذكر الأول في المتن وخالف فيه الشيخ الأعظم فاختار انحلال العلم الإجمالي وعدم التنجيز، وعليه لا يجب الاحتياط بلحاظ الطرف الآخر، وذكر الثاني في الحاشية ويبدو منه العدول عن رأيه الأول، ووافق فيه الشيخ في بقاء المنجزية.
واستدل على الأول بأن التنجيز يدور مدار وجود المُنجِّز، وهو في المقام العلم الإجمالي، وهو مرتفع بالاضطرار حتى لو كان متأخراً عن التكليف وعن العلم به، وبذلك يرتفع التنجيز.
ثم نقض على نفسه في المتن بمسألة فقدان أحد الطرفين، فقال لا إشكال عندهم في بقاء العلم الإجمالي على التنجيز فيما لو فُقد أحد الطرفين، وأي فرق بين الاضطرار الى ارتكاب أحد الطرفين وبين فقدان أحد الطرفين! فإنَّ التكليف مرتفع في كلتا الحالتين، فكما أنَّ المنجزية باقية في فرض فقدان أحد الطرفين ويجب الاحتياط بلحاظ الطرف الباقي فكذا الحال في محل الكلام، فينبغي أن نقول بالمنجزية وبوجوب الاحتياط بلحاظ الطرف الآخر، هذا ما أورده على نفسه.
وهذا النقض لا يختص بمسألة فقدان أحد الطرفين بل يتسع لغيرها، فيمكن النقض أيضاً بمسألة خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء بعد حصول العلم الإجمالي، وقد التزموا أيضاً ببقاء المنجزية بالنسبة للطرف الداخل في محل الابتلاء ووجوب الاحتياط فيه، فما هو الفرق بين المسألتين وبين محال الكلام؟!
وأجاب عن هذا النقض بالفرق بين محل الكلام - وهي مسألة الاضطرار - وبين مورد النقض، فإنَّ الاضطرار من حدود التكليف شرعاً، بمعنى أنَّ التكليف من أول حدوثه مقيد بعدم الاضطرار، فإذا حصل الاضطرار ارتفع التكليف، ومعه لا علم إجمالي بالتكليف على كل تقدير، بخلاف الفقدان فإنه ليس من حدود التكليف وإنما يكون ارتفاع التكليف بفقدان بعض الأطراف من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، فيكون التكليف في كلٍ من الطرفين مطلقاً، ومعه لا بد من الالتزام ببقاء العلم الإجمالي لعلم المكلف بالتكليف على كل تقدير.
والكلام مع المحقق الخراساني يقع في مقامين:
الأول: في ما استدل به على رأيه الأول من عدم التنجيز وانحلال العلم الإجمالي.
الثاني: في جوابه عن النقض الذي أورده على نفسه.
أما الأول فالملاحظة على ما استدل به تُستفاد من كلامه في الحاشية، وهي أنَّ ارتفاع التكليف عن الطرف المضطر إليه وزوال العلم الإجمالي بحصول الاضطرار لا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية وذلك لأنَّ هذا العلم حينما حدث - قبل الاضطرار - كان منجِّزاً للتكليف المعلوم بالإجمال الذي يحتمل انطباقه على الطرف الآخر كما يحتمل انطباقه على الطرف الذي سيضطر إليه لاحقاً، أي كان منجِّزاً للتكليف على كل تقدير، والعلم الإجمالي المنجِّز لا يخرج عن صفة المنجزية بزوال العلم الإجمالي بقاءً، وذلك كما لو علم بوجوب صوم يوم مردد بين الجمعة والسبت، فصام الجمعة، فإنه بعد صومه لا يعلم بالتكليف فعلاً على كل تقدير، لكن علمه الإجمالي لا يسقط عن المنجزية ويظهر أثره في الطرف الآخر، ولذا لا إشكال في وجوب صوم اليوم الآخر بالرغم من عدم العلم بالتكليف بقاءً، بل هذا ثابت حتى في العلم التفصيلي فاذا علم المكلف بوجوب شيء معين ثم شك في امتثاله فلا اشكال عندهم في وجوب الاتيان به، فما ظنك بمحل الكلام!
وبعبارة أخرى إنَّ المقام يدخل في مسألة العلم الإجمالي المردد بين القصير والطويل، لأنَّ المكلف يعلم إجمالاً إما بوجوب الاجتناب عن الماء الى زمان حدوث الاضطرار - وهو الفرد القصير - وإما بوجوب الاجتناب عن الثوب الى ما بعد ذلك من الزمان - وهو الفرد الطويل -، وهذا العلم الإجمالي حينما حصل كان منجِّزاً للتكليف ومما يلزم العمل به، وعروض الاضطرار وإن أوجب حصول الشك في بقاء التكليف إلا أنه لا يرفع أثر العلم الاجمالي من تنجيز الطرف الآخر.
فالصحيح كما ذهب إليه في الحاشية هو عدم انحلال العلم الإجمالي وبقاء التنجيز بالنسبة الى الطرف الآخر وفاقاً للشيخ الأنصاري قده.
ومن هنا يظهر الفرق بين هذه الصورة وبين الصورة الأولى - وهي حصول الاضطرار قبل التكليف وقبل العلم به –وذكرنا لها حالتان بلحاظ استمرار الاضطرار أو عدمه، فتارة يكون الاضطرار مستمراً وليس له وقت محدد، وأخرى يكون له وقت محدد، ففي الحالة الأولى يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز إذ لا علم بالتكليف على كل تقدير، وفي الحالة الثانية لا يسقط عن التنجيز لأن المكلف يعلم بالتكليف بعد الاضطرار، وهو علم اجمالي بالتكليف على كل تقدير.
وأما الصورة الثانية محل الكلام فلا يتصور فيها ذلك لأنَّ الاضطرار فرض فيها متأخراً عن العلم الإجمالي، وهذا يعني أنَّ العلم الإجمالي من أول الأمر وقبل الاضطرار كان علماً بتكليف فعلي على كل تقدير، فيكون منجِّزاً، فلا بد من الالتزام ببقاء العلم الإجمالي على التنجيز مطلقاً في هذه الصورة.
هذه هي الملاحظة على ما اختاره في المتن.