46/03/04
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي:
إذا اضطر المكلف الى فعل أحد الطرفين في الشبهة التحريمية أو اضطر الى ترك أحدهما في الشبهة الوجوبية فهل يؤثر في العلم الإجمالي فيمنع من منجزيته للتكليف أو لا؟
ويظهر أثر ذلك في الطرف الآخر غير المضطر إليه، فإن قلنا بالمنجزية وجب الاحتياط بلحاظه، وإلا جرت الأصول المؤمنة فيه، وأما الطرف المضطر إليه فالتكليف فيه مرفوع للاضطرار.
ولا بد من الالتفات الى أمرين:
الأول: أنَّ الاضطرار يوجب سقوط التكليف بلا اشكال.
الثاني: أنَّ العلم الإجمالي المنجِّز هو العلم بالتكليف على كل تقدير كما تقدمت الإشارة إليه، فسواءً سقطت قطرة الدم في هذا الإناء أم سقطت في الإناء الآخر فالمكلف يعلم بوجوب الاجتناب.
ومن هنا يقال لمَّا كان الاضطرار رافعاً للتكليف فلا علم بالتكليف على كل تقدير وذلك لأنَّ قطرة الدم إن سقطت في الطرف المضطر إليه فلا تكليف لمكان الاضطرار، نعم لو سقطت في الطرف الآخر فالتكليف ثابت ولكن لا علم به على كل تقدير، فقد يقال بسقوط هذا العلم الإجمالي عن التنجيز.
ثم الاضطرار تارة يكون الى طرف بعينه، وأخرى يكون الى أحد الطرفين لا بعينه، ومثال الأول ما إذا علم المكلف إجمالاً بسقوط قطرة دم إما في هذا الإناء وإما على هذا الثوب، مع فرض اضطراره الى شرب الماء، فهذا اضطرار الى أحد الطرفين المعيَّن، ومثال الثاني ما إذا علم المكلف إجمالاً بسقوط القطرة إما في هذا الإناء وإما في الإناء الآخر، فإذا اضطر الى شرب الماء فهذا اضطرار الى أحد الطرفين غير المعيَّن، وعليه فالكلام يقع في مقامين:
المقام الأول في الاضطرار الى أحد الطرفين المعيَّن.
المقام الثاني في الاضطرار الى أحد الطرفين غير المعيَّن.
أما المقام الأول فيمكن أن نذكر له صور ثلاثة:
الصورة الأولى: أن يكون الاضطرار حادث قبل التكليف وقبل العلم به، كما إذا فرضنا أنَّ المكلف عطش واضطر الى شرب الماء أولاً ثم سقطت قطرة الدم في أحد الطرفين ثم علم بذلك، فالاضطرار هنا قبل حصول التكليف وقبل العلم به، وهنا قالوا لا إشكال في عدم التنجيز لعدم العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير، لأنَّ أحد الطرفين لا يحرم شربه حتى على تقدير سقوط القطرة فيه لمكان الاضطرار، نعم سقوطها في الطرف الآخر يُحدث احتمال التكليف، فلا علم بالتكليف على كل تقدير.
ومنه يظهر أنَّ السبب في عدم منجزية العلم الإجمالي في هذه الصورة هو عدم حدوث تكليف في الطرف المضطر إليه حتى إذا فرض سقوط النجاسة فيه، فلا علم بالتكليف على كل تقدير بل هناك احتمال التكليف الناشئ من احتمال سقوط قطرة الدم في الثوب، وفيه تجري الأصول المؤمنة.
وهذا يصح إذا فُرض استمرار الاضطرار وامتداد أمده مع أمد التكليف، وأما إذا فرض عدم استمراره كما إذا اضطر الى شرب الماء وقت الظهيرة مثلاً، وكان الماء كثيراً، ثم علم بنجاسته أو نجاسة الثوب فلا يتم ما ذُكر لأنَّ افتراض سقوط الدم في الماء وإن لم يُحدث تكليفاً في حال الاضطرار ولكن لا مانع من حصول التكليف بعد زوال الاضطرار، فيحصل علم اجمالي بوجوب الاجتناب إما عن الثوب وإما عن الماء بعد زوال الاضطرار، وهو معنى بقاء العلم الإجمالي على منجزيته.
والحاصل: إنَّ التنجيز وعدمه يدور مدار العلم الاجمالي بالتكليف على كل تقدير، وهذا لا يحصل في الحالة الأولى - أي فرض استمرار الاضطرار - لأنه يرفع التكليف متى ما حصل، فإذا كان الاضطرار مستمراً فلا تكليف بالاجتناب عن الماء لمكان الاضطرار، بخلاف الحالة الثانية - أي فرض عدم استمرار الاضطرار- فإنه يحصل علم بالتكليف بالاجتناب عن الماء بعد فترة الاضطرار، وبذلك يحصل العلم بالتكليف على كل تقدير.
الصورة الثانية: أن يكون الاضطرار الى أحدهما المعيَّن حادثاً بعد التكليف وبعد العلم به، أي أنَّ القطرة سقطت في أحد الطرفين فحدث التكليف وعلم المكلف به، ثم اضطر الى ارتكاب شرب الماء، وهذه الصورة هي محل الخلاف بينهم.
اختار الشيخ الأعظم قده التنجيز وعدم انحلال العلم الإجمالي فيكون منجِّزاً للطرف غير المضطر إليه، وتبعه على ذلك المحقق النائيني قده وجملة من الأعلام، وأما صاحب الكفاية فقد اختار في المتن عدم التنجيز وانحلال العلم الإجمالي لكنه عدل عن ذلك في الحاشية وذهب الى بقاء التنجيز بالنسبة الى الطرف الآخر.
واستدل على ما اختاره في المتن بأنَّ تنجيز التكليف يدور مدار وجود المنجِّز حدوثاً وبقاءً وهو العلم الإجمالي، وعليه فبعد الاضطرار الى أحدهما المعيَّن لا يبقى علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير بالوجدان فلا تنجيز.
وبعبارة أخرى إنَّ التكليف محدود شرعاً بحصول الاضطرار الى متعلقه، فإذا حصل ولو بقاءً ارتفع عنه التكليف فلا يحرم شرب الماء في المثال، وعليه لا علم إجمالي بالتكليف على كل تقدير، وهذا نظير العلم التفصيلي بالتكليف فإنه منجِّز للتكليف بلا إشكال فإذا زال بالشك الساري مثلاً زال تنجيزه.