« فهرست دروس
درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/10/14

بسم الله الرحمن الرحیم

نعم، يصحّ هذا لمن لم يتمّ له الدليل من العقل والنقل الموجود بأيدينا، فمع ذلك يلاحظ وجود الإجماع بكلا قسميه مثلاً، فربما يمكن أن يقال باحتمال كون مدرك ادّعائهم هو هذه الأدلّة ، مع أنـّه أيضاً مشكل لو لم يرد ذكرٌ للأدلّة في لسان أحدهم.

أقول : وممّا ذكرنا يظهر أنّ الأقوى في الجواب هو إنكار أصل وجود الإجماع، كما يظهر ذلك عن مثل المحقّق النائيني في فوائده، ووافقه عليه السيّد الخوئي في «مصباح الاُصول» اعتماداً على التزام كثير من الأخباريّين على وجوب الاحتياط في الشُّبهات الحكميّة التحريميّة، وجملة منهم من أجلاّء أصحابنا وأعيانهم، فلا يمكن عدم الاعتناء بمثلهم.

ومن هنا ظهر أنّ دعوى الاتّفاق من الاُصوليّين والأخباريّين على قبح العقاب بلا بيان في مخالفة التكليف غير الواصل إلى المكلّف بنفسه ولا بطريقه، هذا الاتّفاق حاصلٌ، ولكنّه غير نافع؛ لأنـّه حكمٌ عقلي لا أمر تعبّدي شرعي، حيث يرتفع بوجود دليل على التحريم، أو على التوقّف والاحتياط، نظير نفس دليل قبح العقاب بلا بيان.

ودعوى الاتّفاق من الطائفتين على البراءة وعدم الاحتياط نافعٌ، لكن أصل الاتّفاق غير موجود، لمخالفة جماعة كثيرة من الأجلاّء إمّا في أصل عدم وجوب الاحتياط مطلقاً، أي في الشبهة الحكميّة من الوجوبيّة والتحريميّة كما عن الأمين الأسترآبادي، أو في خصوص الشبهة الحكميّة الوجوبيّة حيث قالوا بعدم وجوب الاحتياط، بخلاف الشبهة الحكميّة التحريميّة حيث حكموا بوجوب الاحتياط، فكيف يمكن دعوى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط، وعليه فدعوى قيام الإجماع‌المنقول غير مقبول‌فينفسه‌كمافيسائر الموارد،والمحصّل‌منه‌غيرحاصل.

فلم يبق من الإجماع الذي ادّعاه الشيخ قدس‌سره في تقريره الثاني، إلاّ الإجماع العَمَلي، وهو ثبوت سيرة المسلمين في الشريعة، بل في كلّ شريعةٍ على عدم الاحتياط في المشتبه.

لكنّه أيضاً مخدوش، بأنّ المراد من السيرة لا يخلو: إمّا سيرة المقلّدين أو سيرة غيرهم ممّن لا مبالاة لهم.

فالأوّل منهم: فهم تابعون لمجتهديهم، فإن قلّدوا من لا يجوّز الارتكاب فعلى طبق فتواه يعملون، وإن قلّدوا من يجوّز الارتكاب فلا يحتاطون في الشُّبهات، فلا يمكن تحصيل السيرة منهم.

وأمّا الثاني منهم: فلا وقع لسيرتهم ولا اعتبار لها.

وإن أراد سيرة أصحاب كلّ شريعة بحسب دينهم، فهي غير مفيدة لنا، وما يشاهد من قيام سيرة العقلاء فإنّه سيرة بما هم عقلاء لا بما هم متشرّعون بالشريعة كما هو المقصود هنا.

وبالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا، عدم قيام الإجماع الذي يمكن فرضه حجّة في المقام على البراءة، والله العالم.

***

البحث عن الدليل العقلي على البراءة

البحث عن الدليل العقلي على البراءة

الدليل الرابع من الأدلّة على البراءة: العقل.

أقول: لابدّ من البحث في هذا الدليل عن ثلاثة اُمور :

تارةً: ملاحظة نفس قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وأنـّها هل تكون كافية في إثبات البراءة ولو لم ينطبق عليها عنوان آخر، أو لابدّ في صحّة مدركيّة هذه القاعدة من انطباق عنوان آخر عليها ؟

واُخرى: ملاحظة هذه القاعدة العقليّة مع قاعدة اُخرى عقليّة وهي وجوب رفع الضرر المحتمل، وبيان طريق الاستخلاص من توهّم المعارضة بينهما.

وثالثة: ملاحظة حال قاعدة قبح العقاب بلا بيان مع الأدلّة الواردة في الاحتياط، وعمّن تتقدّم على الاُخرى.

وعليه، فالبحث يقع في مقامات ثلاث:

أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال بل ولا خلاف بين الاُصوليّين والأخباريّين، بل وبين جميع العقلاء ـ كما اعترف به الشيخ الأعظم قدس‌سره في رسائله ـ من الحكم بقبح العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان، والعقل بذلك مستقلّ من دون حاجة إلى بيان دليل الشرع، بل لو ورد في مثله حكماً شرعيّاً يكون من الأوامر الإرشاديّة، نظير الأوامر الواردة في الإطاعة، مثل قوله تعالى: «أَطِيعُوا الله‌َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»؛ لأنّ أصل وجوب الإطاعة للأوامر والحرمة للمخالفة شيءٌ يدركه العقل مستقلاًّ، إذ الحكم العقلي هنا واقعٌ في سلسلة معلولات الأحكام من الإطاعة والمخالفة في الحكم بالوجوب والحرمة، فلا يمكن في مثله أن يكون للشارع حكماً مولويّاً، بل كان له حكماً إرشاديّاً محضاً إن ورد فيه حكم وإلاّ لا يمكن فيه إثبات الملازمة من وجود حكم الشرع بواسطة وجود حكم العقل؛ لأنّ حكم العقل واقعٌ في ناحية سلسلة المعلولات لا في سلسلة علل الأحكام حتّى يصحّ إثبات الملازمة، فالحكم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أمرٌ ثابتٌ لا نقاش فيه بناءً على القول بالتحسين والتقبيح العقليّين كما عليه العدليّة والمعتزلة، فلا يحتاج إثباتها إلى مزيد بيان وإيراد برهان، فارتفاع مثل هذا الحكم لا يمكن إلاّ بحصول البيان إمّا بعنوان أوّلي لذلك الشيء، أو بعنوان الاحتياط والتوقّف عند الشبهة، فإذا لم يصل شيءٌ منهما إلى المكلّف بعد الفحص، فالقاعدة باقية على حالها، وهي حجّة للعبد على المولى، كما لايخفى.

أقول: ولكن يظهر من بعضهم التزامه بأنـّه لا يحتاج الاُصولي إلى هذه الكبرى والقاعدة؛ لأنّ الملاك في استحقاق العقوبة عند مخالفة المولى هو عنوان الظلم، فإنّ مخالفة ما قامت عليه الحجّة، يعدّ خروجاً عن رسم العبوديّة، وهو ظلمٌ من العبد تجاه مولاه، وهو يستوجب العقوبة، وأمّا مع عدم قيام الحجّة، فلا يكون ظالماً، فلا يستحقّ العقوبة، وهو كافٍ في المقام.

وأمّا كون العقاب بلا بيان قبيحاً فغير محتاجٍ إليه، وإن كان أصل قاعدة قبح العقاب بلا بيان صحيحٌ من الأحكام العقلائيّة التي حقيقتها ما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظاً للنظام، وإبقاءً للنوع، وهي المسمّاة بالقضايا المشهورة المعدودة في الصناعات الخمس من علم المنطق، ولكن ضمّ هذه القاعدة فيما إذا لم يصدق عليه الظلم أجنبيٌ عن المقدار المهمّ.

هذا حاصل ما التزم به المحقّق الإصفهاني في «نهاية الدراية»[1] .

 


[1] نهاية الدراية: ج2 / 191.
logo