« فهرست دروس
درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

92/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

تتمه صلوات المرغبات

موضوع: تتمه صلوات المرغبات

ولعلّ المراد من التربيع في هذا الحديث، معنى آخر كما عن «مجمع البيان»؛ و هو أن يقعد على وركيه ويمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه، وقدمه إلى جانب شماله واليسرى بالعكس، بل هو المحكي عن الجوهري والزمخشري وفقه الثعالبي وغيرها، بل لعلّه هو الذي يشهد له الخبر الذى رواه أبو بصير، عن الصادق، عن أمير المؤمنين عليهماالسلام، قال: «إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبيد، ولا يضع إحدى رجليه على الاُخرى ولا يتربّع، فإنّها جلسةٌ يبغضها الله ويبغض صاحبها»[1] .

فالتربيع في الصلاة غير التربيع المذكور، بل هو عبارة من نصب الفخذين والساقين على نحو جِلسة العبد المتهيّئ للامتثال والقيام إذا دعاه مولاه، وإن كان يستلزم وضع الإليتين على الأرض، ولا يوجب الإقعاء الذي مرّ أنّه مثل جلسة الكلب، فعلى ما ذكرنا تبعاً لصاحب «الجواهر» لا يبعد الالتزام بتعدّد معنى التربيع، فتأمّل.

وفي «القاموس»: (تربّع في جلوسه خلاف جَثى وأقعى).

الفرع الرابع: ظهر ممّا سبق استحباب الجلوس تربيعاً الذي ذكرناه في الصلاة، وهو أمرٌ راجح في أقسام الجلوس، وإن كان الصنف القيامي أفضل من الجلوس، لكنّه صنف مستقلّ برأسه راجحٌ في مقابل تركه الذي هو مرجوحٌ بالنسبة إلى غيره ، فالجلوس بالنسبة إلى أفراده مختلف المراتب في الفضيلة، و لازم ما ذُكر أنَّه من نذر الصلاة جالساً لابدّ من انعقاد نذره كما في «الذكرى» لعموم الأمر بالوفاء بالنذر.

وتوهّم كون الصلاة جالساً مرجوحة بالنسبة إلى الصلاة قائماً.

غير مسموع، ولا يقضي بطلان نذره وصلاته، لما قد عرفت من أنّ هذا القسم من الجلوس راجحٌ في نفسه أيضاً ، بل هذا الفرد من الصلاة بنفسه راجحٌ ولو لم تكن الخصوصيّة بنفسها راجحة، لأنّها من التوابع، إذ لا يشترط في صحّة النذر رجحان متعلّقه مطلقاً، و إلاّ لاقتضى عدم انعقاد النذر في المسجد إذا كان غيره أشرف منه، وكذا لا يلزم أن ينعقد النذر في المطلق دون المقيّد، بتوهّم كون المطلق راجحاً دون قيده وهو الجلوس، لأَنَّه يستلزم التفكيك بين النذر ومتعلّقه، لأَنَّه مخالف لقصد الناذر حيث لم يقصد المطلق بما هو مطلق، مع أنَّه متّحدٌ مع القيد وليس منفكّاً عنه.

نعم، لو قصد كلّ واحد من المطلق والقيد مستقلاًّ، بحيث نذر الصلاة ونذر أن يكون جالساً فيها، أمكن المناقشة فيه لو لم نقل بأنّ ملاك رجحانه هو رجحانه من بين أفراده، و إلاّ فهو أيضاً صحيح.

أقول: و ممّا ذُكر يظهر حكم آخر وهو البطلان فيما لو قيّد المطلق بأمرٍ غير مشروع معه؛ كما لو نذر الصلاة بدون طهارةٍ، كما هو ظاهر «القواعد» وصريح «الذكرى» وعن غيرها، مع أنّ مقتضى الكلام السابق من الحكم بصحّة النذر على المطلق دون المقيّد هو صحّة نذره، لأصل الصلاة دون قيده فيما لو نذر النافلة جالساً، رغم أنّ القول بالأخير أوجه من الأوَّل، لأنّ نذرها جالساً لا يقتضي حرمة القيام عليه فيها، إذ النذر لا ينعقد في ترك الراجح وفعل المرجوح بالنسبة إلى غيره، ولا جهة رجحان في خصوصيّة نفسها، والقول بكفاية رجحانيّة طبيعة الفرد التي تتبعه الخصوصيّة، يستلزم جواز انعقاد النذر في الأماكن المكروهة ونحوها، و بالتالي فالالتزام بذلك مشكلٌ.

و عليه، فمن نذر إتيانها جالساً كان قصده عدم فعلها قائماً، و إلاّ لو كان قصده ذلك لم ينعقد بالنسبة إِليه ، نعم تبرأ ذمّته بكلّ من الجلوس والقيام، كما أنَّه يأثم بترك كلّ منهما معاً، وهو معنى وجوب المطلق دون القيد، وليس هو كإطلاق نذر الركعتين المنصرف إلى القيام، مع غفلة الناذر عن خصوص القصد، وإناطته بما ينصرف إِليه اللفظ.

ولكن الدقّة والإنصاف يحكمان بخلاف ذلك، لأَنَّه فرض عدم قصد الناذر التقييد يستلزم خروجه عن فرض المسألة ، ومع فرض قصد التقييد لا يتّجه إلزامه بالمطلق الذي لم يقصد الناذر، ضرورة أنَّه غير المقيّد، فيصحّ أن يقال حينئذٍ بأنّ ما وقع لم يُقصد وما قُصد لم يقع، فالمتّجه حينئذٍ البطلان كما عن المحقّق الثاني ، كما وافقه صاحب «الجواهر» قدس‌سره؛ لعدم إمكان انعقاد نذره على نحوٍ يحرم عليه الأفضل منه وعدم قصد غيره.

بل في «الجواهر»: (عند التأمل، كان حكم هذا مثل ما لو علّق النذر بالقيد، كأنْ يقول: لله عليَّ أن أكون على الراحلة أو جالساً أو مستدبراً عند راتبة الظهر اليوم، حيث لا يجب القيد. نعم، ينعقد القيد بأن قال: (ولله‌ عليَّ إن استويتُ على الراحلة، أو جلستُ على الأرض مثلاً أن أكون مصلّياً)؛ لأنّ المعتبر حينئذٍ رجحان الصلاة على تركها، وليس ما نحن فيه قطعاً، بل هو أقربُ شيءٍ إلى الأوَّل، لأَنَّه من الواضح انصراف قوله: (لله‌ عليَّ أن أُصلّي النافلة جالساً)، إلى إرادة إلزام القيد الزائد لا أصل المطلق، وإلزام هذا القيد بهذا النذر لا يكون إلاّ باعتبار رجحان الفرد بلحاظ رجحان الطبيعة فيه، وإن لم تكن للخصوصيّة مدخليّة تقتضي الإلزام بسائر المشخّصات من الأمكنة والأزمنة وسائر المقارنات من اللّباس وبعض الأحوال الراجعة للمصلّي وغيره ممّا هو معلوم عدمه عند التأمّل الجيّد، كما هو واضح).

أقول: ولقد أجاد فيما أفاد؛ ولذلك ذكرنا كلامه بطوله في الجملة.

* * *

تمَّ تسويد خدود هذه الأوراق يوم الخميس التاسع عشر من شهر رجب المرجّب ألاصبّ سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة، على صاحبها آلاف التحيّة والثناء إلى يوم التناد، والمطابق ليوم التاسع من شهر خرداد سنة اثنين و تسعين وثلثمائة بعد الألف، بيد العبد الضعيف الحاجّ السيّد محمّد علي العلوي الحسيني الگُرگاني ابن المرحوم آية الله الحاجّ السيّد سجّاد العلوي الحُسيني عفى الله عنه وعن أبيه وآبائه وأجداده واُمّه وجدّاته، وجعل الجنّة مثواهم ومثواهنّ، بحقّ محمّدٍ وآله الأطهار عليهم‌السلام.

 


[1] الوسائل، ج17، الباب10 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 43 من الخصال من أحاديث الأربعمائة.
logo