92/02/03
بسم الله الرحمن الرحیم
صلاة الحاجة
موضوع: صلاة الحاجة
وقال بعده صاحب «المدارك»: (إنّه لا خلاف في جواز الفعل، وإنّما الكلام في التوظيف)[1] .
وفي «مصباح الفقيه»: (وقد يقال إنّ المتأمّل في كلامه يرى أنّ غرضه بيان عدم مشروعيّتها على سبيل التوظيف، ونفي البأس عن استعمالها لا بهذا الوجه، بل بلحاظ أنّ الصلاة خيرُ موضوعٍ فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر[2] .
وفيه: إنّ هذا ليس عملاً بهذه الرواية كما لا يخفى، بل الظاهر أنّ غرضه ـ حيث التزم في كتابه أن لا يروي فيه إلاّ ما يراه حجّةً بينه وبين ربّه ـ بيان أنّ هذه الرواية أيضاً في حدّ ذاتها من الأخبار المعتبرة التي يجب الأخذ بها، لولا ابتلائها بمعارض، فيكون المقام عنده ممّا ورد فيه خبران متعارضان بأيّهما أخذ من باب التسليم وسعه، وإن كان هو بنفسه في مقام عمله آخذاً بما يعارضه)، انتهى محلّ الحاجة من «مصباح الفقيه»[3] .
كما اعترض صاحب «الحدائق» على «المدارك» بقوله بعد نقل كلامه:
(فلا يخلو من الإشكال الظاهر؛ وذلك لأنّ الجواز هنا لا معنى له، فإنّها عبادة، فإن ثبت شرعيّتها وتوظيفها ترتّب عليه الاستحباب، و إلاّ كانت محرّمة وغير مشروعة ، ألا ترى أنّ صلاة الضّحى لمّا لم تثبت شرعيّتها، صرّحت الأخبار ببدعيّتها وتحريمها، وليست من الأُمور المباحة التي تُتّصف بالجواز) انتهى محلّ الحاجة[4] .
قلنا: ثبت ممّا ذكرنا أنّ الصدوق قد نفى البأس من القيام بها فلو لم تكن مشروعة، فلا وجه لتجويز العمل بها ، فيظهر أنَّه قد أجاز الإتيان بما في الرواية لا بما أنَّه نافلة مندوبة مثل سائر النوافل ، بل يأتي بها بصورة الرجاء بالمطلوبيّة، فعلى هذا يكون الصدوق رحمهالله مخالفاً للمشهور القائلين بأنّها مندوبة كسائر النوافل، لا بما أنّها منهيٌّ عنها كما استظهره صاحب «الحدائق»، ولعلّ وجه الفرق بينها وبين صلاة الضُّحى التي يأتي بها العامَّة، هو وجود النّهي عنها و لذلك عدّها الإمام بدعة في الدين وإتيانها ضلالة وسبيل الضلالة إلى النار، بخلاف هذه النوافل حيث لم يرد في حقّها نهيٌ صريح، بل لم يفهم من الوارد في الأخبار النّهي، بل إنّه لو كان مطلوباً لما تركه رسول الله صلىاللهعليهوآله.
أقول: فإذا بلغ الأمر إلى هنا، فلابدّ لتوضيح المطلب من ذكر الأخبار الدالّة على تركها أوّلاً ، ثمّ الرجوع إلى معارضها، و من ثمّ ملاحظة الجمع بين الطائفتين أخيراً؛ وحيث إنّ ما اختاره الصدوق لم يؤيّده أحدٌ ممّن بعده ترى أنّ صاحب «الجواهر» نقل كلام الآخرين مثل قول الحلّي في «السرائر» إنّه لا خلاف في استحباب الألف إلاّ ممّن عرف باسمه ونسبه وهو أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه، وخلافه لا يعتدّ به، لأنّ الإجماع تقدّمه وتأخّر عنه، بل عن «المهذّب البارع» أنّ باقي الأصحاب على خلافه، بل في «الذكرى» وعن «البيان» الفتاوى والأخبار متظافرة بشرعيّتها، فلا يضرّ معارضة النادر، بل عن «المعتبر» عمل الناس في الآفاق على الاستحباب، وفي «المختلف» الروايات به متظافرة والإجماع عليه، وخلاف ابن بابويه لا يُعتدّ به، وغير ذلك من الأقوال وكلمات الأصحاب ، و بالتالي فدعوى قيام اتّفاق الأصحاب في اسحبابها ومشروعيّتها عدا الصدوق ليست بمجازفة.
نعم، قد يشاهد عن بعض ترك التعرّض لهذه النافلة، مثل ابن أبي عقيل وعلي ابن بابويه، أو اقتصار الإسكافي على زيادة الأربع ليلاً، لكنّه ليس خلافاً في المسألة ، مع أنَّه قد صرّح ابن الجُنيد بما عليه الأصحاب كما في «الذكرى»، بل قيل إنّه صرّح بزيادةٍ على الألف، وهي أربع ركعات، غاية الأمر لم نقف على مأخذها، إلاّ أنَّه ثقة وإرساله في قوّة المستند، لأَنَّه من أعاظم العلماء ، بل يمكن ادّعاء اتّفاق الكلّ على الجواز حتّى من الصدوق بما قد عرفت، ولعلّه أراد ما يرى في ذلك من صاحب «الجواهر» حيث قال:
(وإن كان الإنصاف أنّ التدبّر في كلامه في «الأمالي» و «الفقيه» يقضي بأنّ مراده نفي المشروعيّة بالخصوص، وإن استحبّ فعلها بعنوان استحباب مطلق الصلاة في كلّ ليلة، نعم هو في غاية الضعف)، انتهى محلّ الحاجة[5] .
وكيف كان، فالأَوْلى حينئذٍ بيان نصوص و أخبار كلٍّ من الطائفتين، و ثُمَّ محاولة الجمع بينهما.
فأمّا الأخبار الدالّة على نفي هذه النافلة: فهي متعدّدة:
منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول: كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه لا يُصلّي شيئاً إلاّ بعد انتصاف اللّيل، لا في رمضان ولا في غيره»[6] .
و دلالتها على النفي تكون إلى فتصف اللّيل، و ساكت لما بعده و ليس فيها ما يدلّ على النفي.
ومنها: صحيحة الحلبي المضمرة، قال: «سألته عن الصلاة في رمضان؟ فقال: ثلاث عشر ركعة منها الوتر وركعتا الصبح بعد الفجر، كذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنا كذلك أُصلّي، ولو كان خيراً لم يتركه رسول الله صلىاللهعليهوآله»[7] .
لكن لا يخفى أنّ متعلّق السؤال مجهولٌ، و أنّه عن أيّ صلاة يسأل؟!
ومنها: صحيحة ابن سنان، عن أبي عبدالله عليهالسلام، قال: «سألته عن الصلاة في شهر رمضان؟ فقال: ثلاثة عشرة ركعة، منها الوتر، وركعتان قبل صلاة الفجر، كذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي، ولو كان فضلاً كان رسول الله الله أعمل به وأحقّ»[8] .
وهي مثل سابقتها لولا مسبوقيّة الذهن بألف ركعة، اللهمَّ إلاّ أن يؤخذ الألف واللاّم في الصلاة عهداً، فهو لابدّ أن يعلم كون تاريخ ألف ركعة في الصلاة مقدماً على تلك الأخبار، وهو غير معلوم.
بل وكذا نقل المحقّق في «المعتبر» احتجاج النافين بما رواه الأصحاب عن محمّد بن مسلم، قال: «سمعتُ إبراهيم بن هشام يقول: هذا شهر رمضان ، فرضَ الله صيامه، وسنّن رسول الله صلىاللهعليهوآله قيامه، فذكرتُ ذلك لأبي جعفر عليهالسلام، فقال: كذب ابن هشام، كان رسول الله يُصلّي باللّيل ثلاث عشر ركعة منها الوتر وركعتان قبل الفجر في شهر رمضان وغيره»[9] .
والإبهام المذكور فيه موجود حيث لم يذكر متعلّق النفي سوى أنّ القيام باللّيل مسنونٌ مشيراً إلى الصلاة، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ إبراهيم بن هشام لم يُدرك عصر أبي جعفر عليهالسلام، لأَنَّه مات سنة 238، و توفي سنة 114 ه أبو جعفر عليهالسلامعن الامام عليهالسلام في كما إشار الى عدم امكان روايته ذيل الحدائق[10] .