92/01/17
بسم الله الرحمن الرحیم
صلاة الاستخاره
موضوع: صلاة الاستخاره
قلنا أوّلاً: لا يخفى للمتأمِّل استبعاد ما ذكره صاحب «الجواهر»، باعتبار أنّ النّهي قد تعلّق بالتفؤل بصورة المطلق، الشامل للعالم والجاهل، الموجب لعدم الجواز بصورة المطلق، فحمله على طبقةٍ خاصّة بلا وجود قرينةٍ داخليّة في الحديث، ليس بأَولى بأن يحفظ الإطلاق والمتعلّق ويُجعل متعلّقه غير صورة الاستخارة ممّا عرفت في الفرق بينهما.
مع أنّ ظهور لفظ التفؤّل مستعملٌ في غير الاستخارة، كما هو المشاهد من تفؤّل بعضهم بدواوين بعض الشعراء، كما هو المتعارف عند بعض الفُرس من التفؤل بديوان الشاعر الفارسي المعروف بحافظ الشيرازي وغيره من الكتب، و يتوقعون معرفة ما يبيّنه لهم من عواقب الأُمور من السعادة والشقاوة والخير والشرّ ، فمُنع الناس من القيام بهذا العمل مع القرآن لئلاّ يقعوا في سوء الظنّ بالقرآن، وهو أمرٌ جيّد، كما عليه صاحب «الوسائل» و «الوافي» وبعض آخر كصاحب «مفتاح الكرامة».
وثانياً: لو أبيت عمّا ذكرنا، فلا بأس بحمله على ما ذكرناه من التفاوت بين الصورتين، جمعاً بين الأخبار السابقة الدالّة على الجواز في الاستخارة، والخبر المزبور في النهي عن التفؤّل، ولو بحمل كلّ منهما على القَدْر المتيقّن منهما من الجواز بالاستخارة من اختيار أحد الفعلين أو فعل شيءٍ وتركه بالقرآن، ومن المنع عن التفؤّل بملاحظة ما يترتّب عليه من الخير أو الشرّ. حكم التفؤل بالقرآن
هذا كلّه إن قبلنا الحديث ولم نقل إنّه مطروحٌ لكونه مرسلاً، و لضعف بعض رجاله حيث نوقش في وثاقة بعضهم كسهل بن زياد الآدمي ومحمّد بن عيسى اليقطيني و إلاّ فلا إشكال في العمل بالاستخارة حتّى مع المصحف، كما جَرَت السيرة على ذلك بين العلماء والفقهاء.
وأمّا ما ذكره صاحب «الجواهر» من منع عامّة الناس عن التفؤل بالقرآن، فصحيحٌ و نحن نتّفق معه في ذلك، رغم أنّه لم يرد عند نهيٌ، كما لا يخفى على المتدبّر، فمحبوبيّة أصل الاستخارة ممّا لا إشكال فيه لوجود أخبار كثيرة بحدّ التواتر كما سيأتي بعد ذلك كما يجوز بالمصحف أيضاً.
الفرع الثاني: بعد الفراغ عن جواز أصل الاستخارة بالمصحف اعتماداً على روايات كثيرة مرّت، إنّما البحث في المراد ممّا جاء في الخبر المروي عن حسن بن الجهم، عن أبي علي اليسع القمي، في حديثٍ عن الصادق عليهالسلام: «أريد الشيء فأستخير الله فيه، إلى أن قال بعد الأمر بالصلاة: إذا قام إلى الصلاة أيّ شيء يقع في قلبك فخُذ به، وافتح المصحف، فانظر إلى أوّل ما ترى فيه، فخُذ به إن شاء الله»[1] .
فما المراد من قوله عليهالسلام: (فانظر إلى أوّل ما ترى فيه) و ما هو متعلقه؟
فهل المقصود منه بداية الصفحة، أو الأوَّل من آياتها؟ وجهان واحتمالان:
قال صاحب «الجواهر» مقتضى حقيقة اللّفظ هو الثاني أي (الصفحة في كلامه)، والمناسب لتعرّف الاستخارة الأوَّل أي الآيات، قال: (والذي اختاره بعض مشايخنا مدّعياً أنَّه صريح الخبر المزبور، وناقلاً له عن تصريح البعض، إلاّ أنّ الخبر كما سمعت ، ولم نعثر على ذلك البعض، بل في «الذكرى» وعن «الموجز الحاوي» التعبير بما في النصّ).
قلنا: صرّح صاحب «الوافي» بأنّ المراد من الأوَّل هو الآيات وهو نصّه، ومعنى قوله: (أوّل ما ترى فيه أي أوّل ما يقع نظرك عليه من الآيات، لا أوّل ما في الصفحة، بل هو مختار صاحب «مفتاح الكرامة» وإن اعترف بأنّ المعمول ملاحظة أوّل ما في الصفحة.
ونحن نزيد على هذا الخبر خبراً آخر منقول في «المستدرك» نقلاً عمّا جاء في «البحار» ممّا وجد عن خطّ جدّ شيخنا البهائي الشيخ شمس الدين محمّد، بإسناده عن مفضّل بن عمر، قال:
«بينما نحن عند أبي عبدالله عليهالسلام إذ تذاكرنا أُمّ الكتاب، فقال رجلٌ من القوم: جَعَلَني الله فداك، إنّا ربّما هممنا الحاجة، فنتناول المصحف فنتفكّر في الحاجة التي نريدها، ثمّ نفتح فى أوّل الورقة فنستدلّ بذلك على حاجتنا.
فقال أبو عبدالله عليهالسلام: تحسنون، والله ما تحسنون»، الحديث[2] .
فهذا الخبر أيضاً مشتمل على التصريح بالأخذ بما في أوّل الورقة، الظاهر أنّ المقصود هو الآية الواقعة في بدايتها و سطرها الأول، غاية الأمر يأتي البحث في أنّ الآية التي تؤخذ.
هل يجب استخراج الجواب من أوّلها ولو كان في الصفحة السابقة على الصفحة التي وقع النظر فيها.
أم لابدّ أن نلاحظ في فهم الجواب أوّل الآية التي وقعت عليها عين المستخير في بداية الصفحة و لو كانت وسط الآية أو آخرها؟
المتعارف في زماننا هو ملاحظة نفس الآية التي تقع تارةً أوّلها في أوّل الصفحة و اُخرى غير ذلك، فيرجع المستخير لمعرفة جواب الاستخارة إلى أوّلها الواقع في الصفحة السابقة، فيؤخذ بمفادها، و يستخرج منها جواب ما نواه المستخير؛ فاحتمال كون المراد من أوّل الصفحة هو بعض الآية بنفسها من دون انضمام صدر الآية الواقع في الصفحة السابقة لها بعيدٌ جدّاً؛ لأنّ الغالب في الاستحباب تطبيق مضمون جميع الآية على المنويّ عند المستخير، لا خصوص بعضها، وإن كان قد يتّفق صحّة انطباق بعض الآية على المراد، مثل ما لو وقع في أوّل الصفحة مقطعاً من وسط الآية لا أولها مثل «إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»[3] لمن استخار للهجرة إلى بلدٍ للتبليغ و الامامة ـ كما اتّفق ذلك و سنشير إِليه إن شاء الله ـ واستفاد منه الجودة.