91/11/28
بسم الله الرحمن الرحیم
صلاة الاستسقاء
موضوع: صلاة الاستسقاء
كما أنّ الأَوْلى من ذلك أن يقدّم الثناء على الله تعالى، كما وردت الاشارة إلى ذلك في رواية هشام بن الحكم، عن الصادق عليهالسلام في حديثٍ: «فيحمد الله ويُثني عليه.. إلى آخره»[1] .
بل وليعترف بذنبه طالباً من الله العفو والرحمة، حتّى يفلح كما أشار إلى ذلك قول الله تبارك وتعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى»[2] ، وغير ذلك من التوسّلات التي توجب سرعة الإجابة، والرجاء بحصول النتيجة، و الصادرة عن أهل بيت النبوّة ونصوص أهل العصمة عليهمالسلام.
أقول: لا خلاف في صدق المماثلة من جهة القراءة وعدد الركعات وتعدّد التكبيرات والقنوتات الداخلة في كيفيّة الصلاة، خصوصاً مع ما نصّ في الحديث من القراءة وكيفيّتها من كونها بالجهر وفي عدد الركعات، و جميعها واضحة ممّا لا ينبغي الكلام فيها، والذي يليق أن يبحث فيه هو عن مثل الوقت ونحوه من الأُمور الخارجة عن الكيفيّة، فهل لابدّ فيه من مراعاة المماثلة، بأن يكون في أوّل الصبح قبل الزوال أم لا؟ فيه وجهان بل قولان:
أحوطهما الأوَّل جموداً على ظاهر اللفظ ، بل في «الذكرى» أنَّه ظاهر كلام الأصحاب، كما هو الأوجه عندنا، ولكن ذهب صاحب «الجواهر» و في «مصباح الفقيه» الى أنّ الثاني هو الأقوى، كما في «الحدائق» بأَنَّه هو الأرجح، و قد تمسّكوا لكلامهم باستبعاد شمول المماثلة لمثل الوقت، لانسباق الكيفيّة من المماثلة، لأنّ خبر هشام بن الحكم وغيره يستفاد منه كون المماثلة في أمرٍ خاصّ لا جميع الأمور حتّى الوقت، مضافاً إلى معارضته مع الإطلاقات الواردة في صلاة الاستسقاء.
ولكن الإنصاف والتأمّل يُغنينا ويوصلنا إلى أنّ مراعاة المماثلة مطلوبٌ من جهة الوقت أيضاً كما عليه كلمات الأصحاب، مثل الشهيدين وابن أبي عقيل وابن الجُنيد و صاحب «المدارك»، بل والشيخين، حيث لم يعيّنا وقتاً إلاّ أ نّهما حكما بمساواتها للعيد. وأمّا الإطلاقات فإنّها ليست إلاّ بصدد بيان مثل ذلك حتّى يؤخذ به.
مع أنَّه لو سلّمنا كونه كذلك، فلا ينافي مع ما في الأخبار من المماثلة بالتقييد. نعم، الذي ينبغي أن يُقال هو إنّ المماثلة لا تقتضي التوقيت بمعنى الأداء والقضاء، كما لا يكون كذلك في العيدين أيضاً ، بل غايته كون رعاية أوّل اليوم فيه أحسن، ولعلّ هذا هو مراد ما حكي من الإجماع عن «نهاية الأحكام» على عدم التوقيت، بل وعن «التذكرة» نفي الخلاف فيه، لا كون إتيانه في غير أوّل اليوم قضاءً.
نعم، نقل وحكي عن «التذكرة» بأنّ: (الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال؛ لأنّ بعد العصر أشرف)، خصوصاً مع ملاحظة ما ورد من أنّ العصر مشهورٌ بين العامَّة التي جُعل الرُّشد في خلافها. وفي «الذكرى» أنَّه نقله ابن عبد البرّ عن جماعة العلماء من العامَّة.
قلنا: لعلّ ذلك أيضاً ممّا يؤيّد كونها مثل صلاة العيد عندنا من حيث الوقت، بل قد يؤيّد ما قلنا أيضاً أنَّه قد نُقل عن العامَّة أيضاً كون وقتها مثل وقت صلاة العيدين، إلاّ أنّ أبا بكر بن محمّد بن عمر جزم بذلك حيث قال: (الخروج لها عند الزوال)، راجع حول آراء العامّة الى كتاب «بداية المجتهد»[3] .
قوله قدسسره: ومسنونات هذه الصلاة أن يصوم الناس ثلاثة أيّام، وأن يكون خروجهم يوم الثالث، ويستحبّ أن يكون ذلك الثالث الاثنين، فإن لم يتيسّر فالجمعة ، وأن يخرجوا إلى الصّحراء حُفاة على سكينةٍ و وقار. (1) مسنونات صلاة الاستسقاء
(1) إنّ هذه العبارة مشتملة على عدّة أُمور من الصوم لثلاثة أيّام، و أن يكون الخروج إلى الصحراء يوم الثالث، وكونه يوم الاثنين و إلاّ فيوم الجمعة، وأن يكونوا حفاة بسكينةٍ ووقار. و هذه المستحبات مقتبسة من مجموع عدّة أخبار:
منها: خبر حمّاد السرّاج، قال: «أرسلني محمّد بن خالد إلى أبي عبدالله عليهالسلامأقول له النّاس قد أكثر عليَّ في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غداً؟
فقلت ذلك لأبي عبدالله عليهالسلام، فقال لي: قُل له ليس الاستسقاء هكذا، قُل له: يخرج فيخطب النّاس ويأمرهم بالصِّيام اليوم وغداً، ويخرج بهم يوم الثالث وهم صيام» الحديث[4] .
في الخروج بصيامٍ وكونه يوم الثالث، خلافاً للشافعي بيوم رابع.
ثمّ قد مرّ آنفاً خبر مُرّة مولى محمّد بن خالد، و قال فيه بعد الأمر بالخروج: (فليخرج، قلت: متى يخرج جعلت فداك؟ قال: يوم الاثنين)، الحديث[5] . فإنّه مشتمل على الخروج ـ أي إلى الصحراء لا من الدار لوضوح ما يتبادر منه ـ وكونه يوم الإثنين.
كما يستفاد استحباب الخروج إلى مكانٍ نظيف من الصحراء، مع سكينة ووقار، من حديث هشام بن الحكم المتقدّم، من قوله عليهالسلام: «ويخرج الإمام ويبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار، وخشوع ومسكنة»، الحديث[6] .
كما يستفاد استحباب الخروج أوّلاً يوم الاثنين من خبر «عيون الأخبار»، فقد روى عليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ العسكري، عن آبائه، عن الرِّضاعليهمالسلام، في حديث: «إنّ المطر احتبس، فقال له المأمون: لو دَعَوْت الله عزّ وجلّ، فقال له الرِّضاعليهالسلام: نعم، قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة، فقال: يوم الإثنين فإنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنينعليهالسلام، فقال: يا بُني انتظر يوم الاثنين وأبرز إلى الصحراء واستسق، فإنّ الله سيسقيهم.. إلى أن قال: فلمّا كان يوم الاثنين خرج إلى الصحراء ومعه الخلائق»، الحديث[7] .
و أيضاً: يستفاد استحباب الخروج إلى الصحراء من خبر أبي البختري، عن الصادق، عن أبيه، عن عليّ عليهمالسلام، أنَّه قال: «مَضَت أنَّه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السّماء، ولا يستسقى في المساجد إلاّ بمكّة»[8] .
وفي عبارة الماتن: (فإن لم يتيسّر فالجمعة). و قال صاحب «الجواهر»: (ولم نقف له على دليل بالخصوص، إلاّ أنَّه لا بأس به لشرفه وكونه محلاًّ لإجابة الدُّعاء).