91/11/07
بسم الله الرحمن الرحیم
مسائل خَمس
موضوع: مسائل خَمس
وأحسن ما يمكن الاستدلال به لذلك هو ما جاء في «فقه الرضا»، قال: «إن كنت تصلّي على الجنازة وجاءت الاُخرى فصلِّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات ، وإن شئت استأنفت على الثانية»[1] .
قال صاحب «الحدائق»: (والحقّ أنّ دليلهم ـ أي المتقدّمين ـ ليس إلاّ عبارة الكتاب المذكور، حيث قال عليهالسلام: «وإن كنت تصلّي إلى آخر الحديث».
ثمّ قال: (والصدوق في «الفقيه» قد أخذ معنى العبارة المذكورة، فقال: ومَن كبّر على جنازةٍ تكبيرة أو تكبيرتين فوضعت جنازة اُخرى معها، فإن شاء كبّر الآن عليهما خمس تكبيرات، وإن شاء فرغ من الأُولى واستأنف الصلاة على الثانية). انتهى كلامه في «الفقيه» كما نقله صاحب «الحدائق»[2] .
وجه الاستدلال: هو الاستناد الى قوله: (الصلاة عليهما بخمس تكبيرات) بناءً على أنّه قطع الصلاة التي أتى بتكبيرها لمرّة أو أزيد، لوضوح أنَّه لو لم يرفع اليد عمّا أتى به لا معنى لذلك، إلاّ بما قد احتمله صاحب «الجواهر» من احتمال تقدير جملةٍ وهي: (إن كنت تريد أن تصلّي حتّى يقع التكبيرات عليهما بخمس تكبيرات من الابتداء)، فلا ينطبق حينئذٍ بما جاء في المتن وغيره ممّن عرفت.
ولكنّه مخالفٌ لظاهر الرواية؛ لوضوح أنَّه يدلّ على أنّه دخل في الصلاة من خلال التكبير فأتي بجنازةٍ اُخرى، فينحصر حينئذٍ دلالته بما في المتن وغيره كما لا يخفى.
ولا يرد فيه إشكالٌ: إلاّ شُبهة أنّ قطع الصلاة الواجبة حرامٌ.
وهو مردودٌ أوّلاً: بما عليه المشهور من عدم وجود دليل لذلك إلاّ الإجماع، وليس ذلك إلاّ في الفريضة، لأَنَّه دليل لبّي، و لا إطلاق له حتّى يؤخذ به، فيقتصر فيه على موضع اليقين.
وثانياً: على فرض وجود نصّ يستفاد منه ذلك، ولكن له إطلاقٌ بالنسبة إلى الصلاة الواجبة أعمّ من اليوميّة وغيرها، لا مطلقاً حتّى لما يشكّ في صدق الصلاة عليه، مع أنّ الأصل في حال الشكّ عدم صدقه ، فإثبات حرمة القطع بما كونه دعاء وذكر لا يخلو عن تأمّل.
وثالثا: لو سلّمنا إطلاقه حتّى لمثل صلاة الميّت، فإنّ ذلك يصحّ ما لم يرد الدليل على التجويز مثل ما جاء في خبر كتاب «فقه الرضا» وقد عرفت ظهور دلالته على ذلك.
لا يقال: إنّ خبر «فقه الرضا» ضعيف من جهة السند، كما صرّح به صاحب «الجواهر» بقوله: (وفيه أنّ الأوَّل ليس حجّة عندنا)، ومراده من الأوَّل هو هذا الحديث.
لأنّا نقول: إنّ ضعفه منجبرٌ بالشهرة وعمل الأصحاب ، بل في «الحدائق» أنّ الأصحاب نقلوا في كتبهم عبارة «فقه الرضا».
فعلى هذا يرتفع الإشكال في العمل بهذه الصورة المرويّة.
هذا كلّه بناءً على أنّ المراد من قوله: (فصلِّ عليهما صلاة واحدة)، أي بعد قطع الصلاة التي ابتدأها أوّلاً ، ولكن احتمل صاحب «كشف اللّثام» كون المراد من هذه الجملة هو إدامة الصلاة بتكبيراتها الخمس من حين وضع الجنازة الثانية من دون قطع الصلاة الأُولى، وإن أوجب ذلك تجاوز التكبيرات عن الخمس بالنسبة إلى الأُولى، ولكنّه غير ضائر.
كما يؤيّده ما جاء في خبر جابر من زيادة التكبير عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بالسّت والسبع وأزيد، فيصير المقام هكذا، وعلى ذلك حُمل كلام الصدوقين والشيخ وأتباعه.
لكن اعترض عليه صاحب «الجواهر» بقوله: (وإن كان هو كما ترى).
ولكنّه في آخر كلامه يقول: (الأقوى التخيير بين الوجوه الثلاثة: الإتمام على الأُولى، والتشريك والقطع ثمّ الاستيناف)، الظاهر على قبوله هذا الاحتمال من هذا الحديث أو من غيره كما سنشير إِليه .
أقول: الإنصاف أنّ متن الحديث قابلٌ لكِلا الاحتمالين، وإن كان الاحتمال الأوَّل هو ظاهر كلام المتن، لأَنَّه قد عبّر بعد إتيان جنازة الثانية بأَنَّه: (إن شاء استأنف الصلاة عليهما) الظاهر بكونه بعد قطع الأُولى، و حمل معنى الاستيناف على النيّة فقط دون الفعل مخالفٌ لظاهر الكلمة، هذا بخلاف متن الحديث حيث جاء فيه: (فصلِّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات) حيث يساعد مع القطع ثمّ الاستيناف، وهو الأوجه، كما يساعد مع عدم القطع وإدامة السابق مع النيّة لكلتيهما.