« فهرست دروس
درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

91/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

مسائل خَمس

موضوع: مسائل خَمس

 

ولكن نقول أوّلاً: ظاهر الاستثناء هو الحكم والأمر بتعجيل أداء الفريضة في ظرف خوف الفوت لا النّهي عن صلاة الجنازة.

وثانياً: أنَّه لو نسلّم ذلك، لزم قبول تكليفين متروكين الموجب لعقابين؛ أحدهما ترك الفريضة، والآخر إتيان صلاة الجنازة الموجب لترك المنهيّ عنه، ولا أظنّ القائل يقبل بذلك، فالأَوْلى هو ما قلناه من عدم بطلان الصلاة بذلك .

اللهمَّ إلاّ أن يقال بالبطلان من جهة اُخرى، و هي أنّ النهي متعلقٌ بأمرٍ عبادي وقبول كونه موجب للبطلان وإن كان نهياً غيريّاً، وهو غير معلوم رغم أنّه موافقٌ للاحتياط، والله العالم.

قوله قدس‌سره: ولو خيفَ على الميّت مع سعة الوقت قدّمت الصلاة عليه. (1) في تقديم صلاة الجنازة حادثة الميّت

(1) أي لو انعكس الأمر بأن كانت وقت صلاة الجنازة مضيّقة خوفاً على الميّت، ووقت الفريضة موسعة، فلا إشكال ولا خلاف في تقديم صلاة الميّت؛ لإتفاق جميع الفقهاء على عدم معارضة الموسّع للمضيّق.

نعم، نقل عن «السرائر» أَنَّه قال إنّ تقديم صلاة الميّت أَوْلى وأفضل، فلابدّ من توجيهه بما لا ينافي الوجوب.

وأمّا مسألة بطلان الفريضة وعدمها فقد عرفت بحثها فلا نعيد.

أقول: بعد الوقوف على جوانب هذه المسألة المختلفة، بقي هنا صور عديدة لابدّ من التعرّض لها:

الصورة الأُولى: ما لو تضيّقتا معاً، فالمشهور تقديم الفريضة ، بل في «الجواهر»: (لا أجد فيه خلافاً إلاّ من المحكي عن «المبسوط» من تقديم الجنازة، حيث قال: (لو تضيّقت الحاضرة بدأ بها، إلاّ أن يُخاف ظهور حادثةٍ في الميّت فيبدأ به) بناءً على أنّ مراده من (الوقت) هو الاجتزاء.

ولكن الشهيد في «الذكرى» احتمل إرادته تضيّق وقت الفضيلة من تقديم الفريضة مع ضيق وقت الفضيلة، إلاّ مع الخوف على الميّت بالحادثة، فيكون هذا المورد من قبيل الأعذار المسوّغة للتأخير عن وقت الفضيلة، وعلى هذا التوجيه لا يكون قول الشيخ حينئذٍ خلافاً في المسألة.

ولا يخفى لطف هذا التوجيه، أوّلاً:

إمّا لأجل أنّه هو المراد واقعاً كما اختاره الفيض الكاشاني رحمه‌الله، في «الوافي» فنِعْمَ الوفاق.

أو يقال بالحمل على ذلك، لأنّ كلامه مطلق قابل لذلك، وهو أحسن المحتملات.

و ثانياً: لأنّ الشهيد الأوَّل احتمل في «الذكرى» بأولويّة التقديم إن لم يكن الإجماع على خلافه، وأنّه كإنقاذ الغير من الغرق عند ضيق الوقت، وعدم إمكان الإيماء.

قلنا: هذا الوجه حسنٌ لولا الإجماع على خلافه، فيما إذا كانت الحادثة عبارة عن إفناء الجنازة ـ كما سيجئالإشارة إِليه ـ لا خصوص عدم إمكان الإتيان بالصلاة، فالتشبيه بالإنقاذ قابل للتطبيق في الصورة الأُولى لا الثانية، ولذلك أضاف الى كلامه بقوله: (أو يقال تقديم الحاضرة لإمكان استدراك الصلاة على القبر).

إلاّ أنَّه يُشكل: بأنّ زمان فعل الحاضرة يخاف فيه على الميّت قبل الدفن، فيجب تعجيل دفنه خوفاً من الحادث ولا يتمّ ذلك إلاّ بالصلاة.

وثالثاً: على أنَّه يمكن هنا تأخير الصلاة عن الدفن إذا خيفَ بسببها، فتبقى في الحقيقة المعارضة بين المكتوبة ودفنه.

قلنا: كلّ ذلك حسنٌ على فرض ما لو لم يكن الخوف بالحادثة نفس الجنازة، وأمّا لو كان الامر دائراً بين المكتوبة قضاءاً وتقديم الصلاة على الجنازة، أو تقديم الحاضرة وإفناء الجنازة موضوعاً، فتبقى بلا صلاة كما لو سُرقت الجنازة أو أخذتها السيول ونحو ذلك ، ففي هذه الحالة الحكم بتقديم الحاضرة لا يكون إلاّ بالإجماع.

الصورة الثانية: ما لو تضيّقت وقت صلاة الحاضرة و كذلك تأخّر الدفن والصلاة على الجنازة، فحكمها يظهر من الحكم في الصورة الأُولى بما قلنا في آخر كلامنا، لأنّ التعارض هنا يقع بين الحاضرة وبين الآخرين إذا فرض ضيق الوقت بلحاظ الحادثة الموجبة لفوت الدفن كلاًّ لا بتأخيره فقط، والظاهر ـ كما هو الفتوى ـ الحكم بتقديم الحاضرة لأهمّيّتها، ولإطلاق الخبرين في قوله: (إلاّ أن يخاف الفريضة)، الشامل للصورتين.

لا يقال: بأنّ القضاء مشروع الفريضة.

لأنّا نقول: إنّه معارض مع مشروعيّة الصلاة على القبر إن مكن، بل يقول صاحب «الجواهر»: (الظاهر تقديم الدفن على الصلاة على الميّت، إذا فرض الخوف عليه من انتهاك حرمته إلى حصول الصلاة عليه، فيدفن حينئذٍ ويصلّى على القبر).

قلنا: هذا التعارض قائمٌ بين وجوب تقديم الصلاة على الدفن المستلزم لحصول هتك الحرمة، و بين تقديم الدفن على الصلاة حتّى تحفظ حرمة الجنازة، فالحكم بتقديم الدفن يرجع إلى أهميّة حفظ حرمة المؤمن على وجوب الصلاة قبل الدفن، فيرفع اليد عن ذلك الوجوب احتراماً للمؤمن.

الصورة الثالثة: ما لو تعارضت المكتوبة والدفن: قال المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»: (لا بأس بتقديمه على الصلاة لتساوي الحرمتين، ولتدارك الصلاة بالقضاء بخلافه، ولاستثناء المبطون والنفساء في خبر الغنوي[1] الذي هو كالصريح في ذلك، ولا ينافيه خبر عليّ بن جعفر[2] المتقدّم آنفاً.

وهو جيّد، بل ربّما يؤيّده في الجملة تشاغل أمير المؤمنينعليه‌السلام بدفن سلمان وعمران عن الصلاة، لكن لو أمكن الجمع بين الدفن والإيماء للمكتوبة لم يكن بعيداً عن الصواب)، انتهى ما في «الجواهر»[3] .

أقول: لا يخفى أنّ معارضة ما قيل مع ما جاء في حديث الغنوي وهو هكذا: «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل صلاة الميّت، إلاّ أن يكون الميّت مبطوناً أو نفساء أو نحو ذلك»[4] . لا يكون التعارض إلاّ بالنسبة إلى أوّل الوقت، أو غايته مع ملاحظته إلى آخر الوقت، لكن تكون المزاحمة مع صلاة الميّت لا مع دفن الميّت الذي هو فرض مسألتنا، اللهمَّ أن يكون مراده من المزاحمة كونهما معاً لا خصوص الدفن الذي فرض في أوّل المسألة.

بل قد يشهد على أنّ التزاحم بلحاظ دخول الوقت، أنّه مذكورٌ في خبر عليّ بن جعفر حيث قال في جواب السؤال عن صلاة الجنائز إذا احمرّت الشمس: «أنَّه لا صلاة في وقت صلاة»، ثمّ قال بعده: «إذا وجبت الشمس فصلِّ المغرب ثمّ صلِّ على الجنائز»؛ و المذكور في هذا الخبر لا يرتبط بما هو عنوان المسألة من تعارض المكتوبة والدفن.

كما أنّ قضيّة تشاغل أمير المؤمنين عليه‌السلام بدفن سلمان الذي ورد تفصيله في كتاب «نفس الرحمن في فضائل سلمان» على ما نقله أصبغ بن نباتة من بيان حال احتضاره، وبيان إقراره بالشهادتين وبالولاية وموته، ومجئأمير المؤمنين عليه‌السلام من الكوفة إلى المدائن للتغسيل والتكفين والتدفين والصلاة عليه، والرجوع من المدائن إلى الكوفة، حيث صادف رجوعه مع نداء المنادي لصلاة المغرب، و اليك نصّ الخبر، قال:

«فأتى الكوفة والمنادي ينادي لصلاة المغرب، فحضر عندهم عليّ عليه‌السلام»[5] . و من الواضح عدم لقنون التعارض في هذا الخبر، بل يفيد أنّ قيامه عليه‌السلام بتجهيز سلمان كان واقعاً قبل دخول وقت صلاة المغرب، كما أنّ أوّل شروعه كان بعد صلاته الفريضة، و الشاهد على ذلك ما جاء في الخبر:

«فقال: يا أصبغ بهذا عهدَني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله فإنّي قد صلّيت هذه الساعة بالكوفة، وقد خرجتُ أُريد منزلي فلمّا وصلت إلى منزلي، اضطجعت فأتاني آتٍ في منامي، وقال: يا عليّ إن سلمان قد قضى نحبه»، الحديث.

فليس في هذا الخبر اشارة الى تعارض صلاته الميّت ودفنه للمكتوبة، حتّى يتمسّك به لتقديم الدفن على المكتوبة أو عكسه ، مع أنّ ظاهر استدلال المحقّق في «جامع المقاصد» بقوله: (ولتدارك الصلاة بالقضاء) بخلافه حيث يدلّ على أنّ التعارض إنّما هو بلحاظ آخر أوقات الإجزاء مع دفن الميّت، لا الصلاة في سعة الوقت ولا ما لا تزاحم فيه كعمل أمير المؤمنين عليه‌السلام كما لا يخفى.

نعم، يرد عليه الإشكال: بالتمسّك بصدر خبر الغنوي لما قد عرفت كونه لأوّل الوقت أيضاً لا في آخره، فتأمّل.

و بذيله بإمكان الجمع بين المكتوبة بالإيماء والدفن و بين عدم كونه بعيداً ممّا لا يخلو عن تأمّل، لأجل وقوع أفعال كثيرة في أثناء المكتوبة، فلابدّ لنا في إثبات جواز ذلك من التمسك بدليلين:

أحدهما: جواز تبديل الركوع والسجود بالإيماء.

والثاني: عدم مانعيّة إيقاع الفعل الكثير في أثناء الصلاة.

و عليه، فالأحوط عدم الاكتفاء بهذه المكتوبة، وإتيانها بقصد ما في الذّمة بعد خروج الوقت ، و الله العالم.

الصورة الرابعة: ولو لم تسع الوقت إلاّ لركعةٍ عند عدم الخوف على الجنازة من الهتك ، إلاّ أنَّه يخشى الصلاة عليها لعارض من العوارض، ففي هذه الصورة يمكن القول بجواز فعلها في أثناء الفريضة بعد فعل الركعة، لأنّها أذكار ودعاء ليس فيها ما ينافي الصلاة ، بل لا يبعد جوازه اختياراً على وجهٍ لا يؤدّي إلى فساد الصلاة بفوات الموالاة ونحوها.

قال صاحب «الجواهر»: (إلاّ إنّي لم أجد به نصّاً لأحد من الأصحاب ، بل يمكن دعوى ظهور النصوص والفتاوى في عدم اجتماعها ، فتأمّل جدّاً و الله أعلم)، انتهى كلامه في «الجواهر»[6] .

قلنا: لا يخفى ما في كلامه، لوضوح أنّ إدراج صلاةٍ في صلاة بحيث لا يوجب بطلانها مخالفٌ للأصل والقاعدة في الواجبات الارتباطيّة، وكلّ ما يكون كذلك فلا يصار إِليه إلاّ بمعونة دليل شرعي يدلّ على الجواز، كما ورد ذلك في صلاة المكتوبة مع صلاة الآيات إذا ضاق الوقت لأحدهما، وأمّا إذا لم يرد فيه نصّ ودليل فلا يجوز لنا القول بذلك من عند أنفسنا، ولعلّه لذلك لم يجتمع الأصحاب على ذلك.

مضافاً إلى أنَّه ليس بأذكار ودعاء فقط، بل فيه ممّا هو خارجٌ عن كونه كلام آدمي، وإتيانه في أثناء الصلاة المكتوبة يحتاج إلى دليل ومجوّز ، فلا يجوز ذلك بلا دليل في حال الاضطرار، فضلاً عن الاختيار، ولابدّ له من طريق آخر وهو إمكان إيقاع الصلاة

بعد الدفن إذا فرض عدم إمكان إيقاع الصلاة بخلاف دفنه، فلا مانع من القول بسقوط وجوب الصلاة قبل الدفن وتأخيرها إلى بعد الدفن، لأهمّية الفريضة التي كان فيها وعدم جواز قطعها إذا التفت ذلك في الأثناء كما هو المفروض في صدر المسألة.

اللهمَّ إلاّ أن يقال: بأنّ حرمة قطع صلاة الفريضة لا دليل عليه إلاّ الإجماع ، وهو دليل لبّي يقتصر فيه على مورد اليقين، وهو إذا لم تعرض عليه الضرورة، وهنا من مصاديقه فيجوز قطع الصلاة والاشتغال بصلاة الجنازة، ولكنّه مخالفٌ للاحتياط، حيث لم يُسمع ولم يشاهد عن أحد القول بذلك ، مع أنَّه قد حقّق في محلّه إثبات حرمة القطع عن عمدٍ من بعض النصوص والأخبار كما أشار الى ذلك صاحب «الحدائق»، والتحقيق موكول إلى محلّه.

 


[1] و 2 الوسائل، ج2، الباب31 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 1 و 3.
[2]  .
[3] الجواهر، ج12 / 120.
[4] الوسائل، ج2، الباب31 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 1.
[5] كتاب نفس الرحمن في فضائل سلمان: 628.
[6] الجواهر، ج12 / 120.
logo