« فهرست دروس
درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

91/10/10

بسم الله الرحمن الرحیم

مسائل خَمس

موضوع: مسائل خَمس

 

أقول: لا يخفى للمتأمّل الدقيق استشمام التقيّة من الخبر المنقول في كتاب «فقه الرضا»، من توجيهه بنفي البأس لإيقاعها في الوقتين.

و ممّا يدلّ على الجواز بلا كراهةٍ حديث جابر، قال:

«قلتُ لأبي الحسن عليه‌السلام: إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيّهما أبدأ؟ فقال: عجِّل الميّت إلى قبره، إلاّ أن تخاف أن تفوت وقت الفريضة، ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها»[1] .

فإنّ ذيله يدلّ على المطلوب، كما لا يخفى.

و عليه، فالمسألة من حيث الأخبار في دلالتها على الجواز مطلقاً، ولو بواسطة التعليل بأنّها دعاءٌ واستغفار واضحة.

مضافاً إلى أنّ الكراهة المفروضة في الوقتين مرتبطة بغير ذوات الأسباب من النوافل، فضلاً عن النوافل ذوات الأسباب، حيث لا كراهة فيها، والحال أنّ هذه الصلاة تعدّ من الواجبات لا النوافل، و الذي يظهر من الخبر المزبور، بل هو الظاهر من النصّ والفتوى، عدم الكراهة حتّى للمستحبّ من صلاة الجنازة، فضلاً عن واجبها، كما هو مقتضى الأصل، وهو أصالة عدم الكراهة، وعدم اندراجها في الصلاة المنهيّ عنها فيه، بل وعدم المراد من التطوّع بمثل هذه الصلاة، فلازم ذلك عدم الكراهة حتّى لما تكرّر منها في هذه الأوقات.

أقول: بقي هنا التعرّض الى بعض الأخبار الّتي تدلّ على كراهة إتيانها في بعض الأوقات:

و منها: خبر علي بن جعفر عليه‌السلام، قال: «سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرّت الشمس، أيصلح أو لا؟ قال: لا صلاة في وقت صلاة، وقال: إذا وجبت الشمس فصلِّ المغرب، ثمّ صلِّ على الجنائز»[2] .

حيث إنّه بظاهره يدلّ على المنع عن الصلاة في وقت الفريضة ولا في وقت إحمرار الشمس.

و منها: خبر عبدالرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «تكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس وحين تطلع»[3] .

فإنّه صريح في الكراهة.

ولكن يمكن أن يقال: كما عليه الشيخ وصاحب «الوسائل» و «الجواهر»، بأَنَّه محمول على التقيّة، لأنّ الكراهة مذهب الأوزاعي ومالك وأبي حنيفة في الوقتين وعند قيام الشمس، والمراد من الكراهة هو المنع أو ما يقرب ذلك، فأجاب الإمام وفقاً للعامّة.

كما لا يبعد أن يكون الحديث الأوَّل كذلك، و الشاهد على ذلك أنَّه لم يُجب على السؤال بل ذكر عدم جواز إتيان الصلاة في وقت الفريضة، فكأنّه أراد أنّها ليست بصلاة حتّى يكون حكمه كذلك ، ثمّ أجاب بما يوافق العامَّة من تقديم الفريضة عليها إذا تعارضتا و إذا وجبت الشمس، باحتمال كراهة إتيانها فيه، أو لعلّ الوجه من باب تقديم وقت فضيلة الفريضة على صلاة الجنائز، فلا يرتبط جوابه عليه‌السلام حينئذٍ بكراهة إيقاع صلاة الجنازة في وقت غروب الشمس.

و يؤيّد الاحتمال الثاني ما جاء في خبر هارون بن حمزة الغنوي، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال:

«إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل صلاة الميّت، إلاّ أن يكون الميّت مبطوناً أو نفساء أو نحو ذلك»[4] .

حيث حكم عليه‌السلام بتقديم الفريضة على صلاة الميّت، رعايةً لوقت الفضيلة، وترجيحاً لاستحبابه على استحباب تعجيل التجهيز.

لكن تنظّر صاحب «الجواهر» في كلام الفاضلين والكركي من القول بالتخيير وعدم الترجيح وقت الفضيلة، ولعلّ وجه قولهم بالتخيير كان لأجل معارضته مع ما جاء في خبر جابر المتقدِّم من الحكم بتقديم صلاة الميّت على الاُخرى وحملها على التخيير.

واحتمال كون وقت الفضيلة قد فات في خبر جابر ممّا لا شاهد له، ولذلك كان القول بالتخيير أَوْلى من القول بترجيح وقت الفضيلة على صلاة الجنازة.

وكيف كان، يمكن القول بترجيح وتقديم صلاة الجنازة على النافلة الموقّتة، لأَنَّه اشتغال بالواجب، ولا يبعد تقديم مندوبها على النافلة المندوبة، كما لا يبعد ترجيحها على الواجب غير الموقّتة حتّى القضاء، بناءاً على القول بالمواسعة، وإن كان لا يخلو عن تأمّل، لأنّ ندب المبادرة لإتيان القضاء على حدٍّ قد اشتهر وجوبه، اللهمَّ إلاّ أن يستلزم التأخير بما لا يتسامح فيه، فحينئذٍ لا بأس بالقول بتقديم وجوب الاشتغال بالواجب من صلاة الجنازة على غيرها.

 


[1]  .
[2] الوسائل، ج2، الباب31 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 3.
[3] الوسائل، ج2، الباب20 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 5.
[4] الوسائل، ج2، الباب31 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 1.
logo