91/10/05
بسم الله الرحمن الرحیم
مسائل خَمس
موضوع: مسائل خَمس
الوجه الرابع: بأن يجعل الأخبار المانعة لما بعد الدفن، مثل يوم الدفن، أو بعد يوم وليلة من الدفن أو بعد ثلاثة أيّام من دفنه، أو إلى ما لم يعلم تغيّر صورته، و الأخبار المجوّزة لما قبل مضيّ كلّ واحدٍ من الفترات المذكورة، حيث قد ورد في كلام الفقهاء مثل المشهور من القول بيوم وليلة، والشيخ في «الخلاف» حيث روى ثلاثة أيّام كما في «المراسم» التصريح به، والأخير عن الكاتب.
ولكن يُشكل: بأنّ هذا التحديد لم يرد في نصٍّ ودليل حتّى يتمسّك به، مضافاً إلى أنّ كثيراً من الفقهاء كصاحب «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «حاشية الإرشاد» و «الميسيّة» و «المسالك» و «الروض» و «الروضة» و «فوائد القواعد» و «مجمع الفائدة و البرهان»، وظاهر «المعتبر» و «المنتهى» و «المختلف» و «الكفاية»، و كذلك الحسن والصدوق ذهبوا إلى عدم التحديد، لعدم وجود عين ولا أثر له في الأخبار ، و عليه فالأخذ به مشكلٌ.
الوجه الخامس: هو الأخذ بأخبار الجواز مطلقاً، سواءٌ كان قد دفن أو لم يُدْفَن، وحمل الأخبار المانعة على التقيّة، للمحكي عن أبي حنيفة على المنع بملاحظة أنّ غالب العامَّة على فتاويه.
أقول: والأَوْلى في جميع هذه المحامل، هو القول بوجوب الصلاة قبل الدفن أو بعده لمن لم يُصلّ عليه، عملاً بالأخبار المطلقة الدالّة على عدم جواز ترك الصلاة، المستفاد من قوله صلىاللهعليهوآله: «ولا تَدَعُوا أحداً من أُمّتي بلا صلاة»؛ لأَنَّه آبٍ عن التخصيص.
فتبقى الأخبار المجوّزة لمن صُلّي عليه، حيث تدلّ على جواز تكرارها على القبر، وفي هذه الأخبار يوجد خبراً صحيحاً دالاًّ على ذلك، و هو خبر هشام بن سالم حيث يشمل بإطلاقه لمن صُلّي عليه، بل هو الأكثر لندرة وجود جنازة لم يُصلّ عليه قبل دفن، فإخراج كلّ من صُلّي عليه عنه، و حصره بصورة من لم يُصلّ عليه، حملٌ على الفرد النادر الذي كالمعدوم، الذي لا يناسب من الحكيم العاقل صدور كلامه بصورة الإطلاق وأرادة النادر.
كما أنّ لازم إطلاق لفظه عدم التحديد بأحد هذه الحدود الأربعة. فتبقى الأخبار المانعة فيمكن أن يقال في حقّها بأن المراد من المنع عن الصلاة بعد الدفن إفهام أنّ الواجب في هذه الصلاة وقوعها قبل الدفن، لكن على نحو تكون هذه الصلاة واجبة مطلقاً أي حتّى بعد الدفن ، فالنهي ليس باعتبار أنّ المانع عنها هو نفس الدفن، بل لأجل بيان عدم جواز تأخيرها إلى ما بعد الدفن، فلازم هذا التقرير عدم شمول الأخبار المانعة لما هو المقصود في المقام من جواز إتيان الصلاة حتّى بعد الدفن ، فبذلك يرتفع التعارض من البين، مضافاً إلى تأييده بذهاب المشهور الى جواز تكرار الصلاة بعد الدفن ما دام يصدق عليه الميّت، ولم يمض على دفنه مدّة مديدة يعتنى بها، الموجبة لانصراف الأخبار عنه لأجل صيرورته رميماً.
نعم، لابدّ من الإشارة الى أنّ أنه لو قلنا بكراهة تكرار الصلاة بملاحظة بعض الأخبار الواردة في لزوم ادائها قبل الدفن، فهي تدلّ على كراهتها أشدّ ممّا بعد الدفن، و ذلك من جهة دلالة الأخبار المانعة في غير من لم يصلّ عليه، لأَنَّه يجب عليه إتيان الصلاة الأوّلية بلا كراهةٍ أصلاً، لعدم تحقّق موضوع التكرار حينئذٍ.