« فهرست دروس
درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

91/08/16

بسم الله الرحمن الرحیم

مسنونات صلاة الاموات

موضوع: مسنونات صلاة الاموات

 

و منها: رواية «الاحتجاج» عن سُليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي، أنَّه قال: «أتيتُ عليّاً وهو يَغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله وقد كان أوصى أن لا يَغسله غير عليّ...

إلى أن قال: فلمّا غسّله وكفّنه، أدخلني وأدخل أبا ذرّ والمقداد وفاطمة والحسن والحسين وتقدّم، وصففنا خلفه وصلّى عليه، ثمّ أدخل عشرةً من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلّون ويخرجون، حتّى لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلاّ صلّى عليه» الحديث[1] .

حيث يستفاد من هذه الأخبار تكرار الصلاة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بغير جماعةٍ، بعد فرض قبول كون صلاة عليّ عليه‌السلام مع تلك العدّة في الرواية الأخيرة كانت جماعةً كما يلوح ذلك من لفظ (صففنا خلفه)، وإن وردت جملة: (وصلّى عليه)، مفردة التي يدلّ على أنّ الصلاة كانت فرادى، لو لم نقل بأَنَّه مشير إلى أصل الصلاة لا إلى كونها إفراداً أو جماعة، ولكن حيث نقل عنه عليه‌السلام في غير هذه الرواية بأنّ: (رسول الله صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهإمامنا حيّاً وميّتاً) و الذى يفيد لزوم أن تكون الصلاة عليه فرادى لا جماعة، يؤيّد كون صلاته عليه‌السلامعليه فرادى، و الله العالم.

القول الخامس: بأن تكون الكراهة مختصّة بالمصلّي الواحد مطلقاً، الظاهر في أنّ المراد من الإطلاق من حيث كونه إماماً، أو غيره ومن حيث كونه مع الجماعة أو بدونها سواءٌ خيفَ للميّت وقوع حادثة بالتكرار، أو لم يخف، و هذا الاختيار لجماعة من الأصحاب؛ منهم ـ كما قيل ـ الشيخ في «الخلاف» مدّعياً عليه إجماع الفرقة والشهيدان والمحقّق الكركي، بل هو ظاهر جماعة.

القول السادس: وقول سادس وهو الكراهة للمصلّي الواحد غير الإمام، ولم يفصّلوا فيه بين كونه مع الجماعة أو فرادى، كما لم يفصّلوا بين صورة الخوف للميّت وعدمه، وهذا اختيار صاحب «المدارك»، وظاهر «كشف اللّثام» والمحكي عن «الروض».

القول السابع: الحكم بالكراهة مطلقاً إذا كان التكرار منافٍ للتعجيل، و إلاّ فلا، و المراد من الإطلاق هنا هو ما بيّناه في القول الخامس، وهذا القول هو المنقول عن بعض الأصحاب.

القول الثامن: وهو للعلاّمَة في «التذكرة» و «نهاية الأحكام»، فإنّه بعد أن استقرب الكراهة مطلقاً، قال: (إنّ الوجه التفصيل فإن خيف على الميّت ظهور حادثةٍ به كره تكرار الصلاة و إلاّ فلا).

القول التاسع: للعلاّمَة أيضاً في «المنتهى» من التردّد في كراهة صلاة من لم يصلِّ بعد صلاة غيره.

القول العاشر: للحسن بن عيسى، الذى قال لا بأس بالصلاة على من صُلّي عليه مرّة، و ظاهره عدم الكراهة مطلقاً حيث لم يفصّل.

القول الحادي عشر: هو استحباب التكرار بصورة الإطلاق، وهو المنقول عن الشيخ في «الاستبصار»، بلا ذكر استفصالٍ كما حَكى عنه صاحب «الحدائق».

وإلى غير هذه الأقوال ممّا يمكن أن يقف عليه المتتبّع في المقام.

أقول: مقتضى القواعد في المقام ملاحظة مدلول طائفتين من الأخبار الواردة، فالأول منها دالّة على جواز التكرار، بل على ترجيحه كما في بعض النصوص، و الأخرى دالّة على عدم الجواز الواردة بصورة نفي الإعادة والتكرار، بقوله: (لا يُصلّى على الميّت مرّتين)، بحيث لولا المعارضة الموجودة، لزم قبول دلالتها على الحرمة لا الكراهة، كما أشار إليها صاحب «مصباح الفقيه»، ولكن حيث لم يصرّح أحدٌ من الفقهاء، بل أحد من علماء الإسلام حتّى من العامَّة بالحرمة، ولذلك حملوا الخطابات المنفيّة الظاهرة في الحرمة على الكراهة.

فبعد ثبوت المعارضة، لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات، و هي السنديّة والدلاليّة والجهتيّة:

فأمّا السنديّة: فلا إشكال في تقديم وترجيح أخبار الجواز، لأنّ رواتها من الثقات، بخلاف الأخبار المانعة حيث إنّ في سندها ضعف من جهة كون بعضها من رجال العامَّة، منهم وهب بن وهب حيث كان قاضياً عامّياً كذّاباً كما في «جامع الرواة»، أمّا خبر إسحاق بن عمّار ففي سنده غياث بن كلوب فهو مجهول الحال و ممّن لم يوثّقه أحد، فبذلك يكون الحكم بالجواز أرجح، إلاّ أنّ ضعف السند فيهما ينجبر بالشهرة العظيمة من الأصحاب، فيؤدّى الى قيام المعارضة بينها، فلابدّ من الرجوع بعد ذلك إلى المرجّح الجهتي:

وهو أيضاً مؤيّد لأخبار الجواز، لموافقة الكراهة لكثير من فتاوى العامَّة كما عرفت، مما يوجب صحّة الحمل على التقيّة ، غاية الأمر أنّ فقهاؤنا بكثرتهم وشهرتهم على الكراهة، بل قد ادّعى عليه الإجماع رغم علمهم بفتوى العامَّة، ممّا يوجب الظنّ أو الاطمئنان بأنّ حكمهم بالكراهة كان لأجل وقوفهم على خبرٍ لم يصل إلينا، و من ثمّ التصرّف في الهيئة بعد العلم بمخالفة الحرمة للإجماع، وعدم إمكان الذهاب إِليه ، فلازم هذا الجمع هو القول بالكراهة مطلقاً كما في المتن، إلاّ إذا قام دليل خاصّ يوجب ارتفاع الكراهة بل رجحان التكرار، نظير ما لو كان الميّت من أهل الفضل والشرف الأخروي والدنيوي، كما يشهد لذلك تكرار صلاة أميرالمؤمنين عليه‌السلام على أحد الصحابة الذى تميّز بأنّه كان بدريّاً عُقبيّاً أُحديّاً، وكان من النقباء الأثني عشر الذين اختارهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله الوارد في حديث عقبة عن جعفر، قال:

«سئل جعفر عن التكبير على الجنائز؟... إلى أن قال: أما بَلَغكُم أنّ رجلاً صلّى عليه عليّ عليه‌السلام، فكبّر عليه خمساً حتّى صلّى عليه خمس صلوات، يكبّر في كلّ صلاة خمس تكبيرات.

قال: ثمّ قال: إنّه بدريّ عُقبيّ أُحديّ، وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله من الأِثني عشر ، وكانت له خمس مناقب، فصلّى عليه لكلّ منقبة صلاة»[2] .

بل ومثله في الجملة ما جاء في خبر عمرو بن شمر، قال: «قلتُ لجعفر بن محمّد عليهماالسلام: جُعِلْتُ فداك إنّا نتحدّث بالعراق أنّ عليّاً عليه‌السلام صلّى على سهل بن حُنيف، فكبّر عليه ستّاً، ثمّ التفت إلى من كان خلفه، فقال: إنّه كان بدريّاً، قال: فقال جعفر عليه‌السلام: إنّه لم يكن كذا، ولكن صلّى عليه خمساً، ثمّ رفعه ومشى به ساعة، ثمّ وضعه وكبّر عليه خمساً، ففعل ذلك خمس مرّات، حتّى كبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة»[3] .

هذا إذا كان المراد من قوله: (وكبّر عليه خمساً) هو الصلاة المشتملة على التكبير لا التكبيرات المنفردة، فيكون مثل ذلك تخصيصاً في أدلّة الكراهة، كما قد يعرض في بعض الموارد ما يوجب حرمة التكرار، مثل ما لو أوجب التأخير في الجنازة أمراً غير مشروعٍ كتفسّخ الجسد ونحوه، فالالتزام بالحرمة في مثل هذه الحالات لا يضرّ بما هو المختار، لأنّ البحث عن جواز التكرار وعدمه إنّما هو بلحاظ نفس العمل مع قطع النظر عمّا يعرضه، كما أنّ تكرار الصلاة على جنازة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله ليس بنفسه لولا أدلّة اُخرى تكون دليلاً على الجواز؛ لأنّ الصلاة التى قرأت على جثمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله لم تكن بصلاةٍ متعارفة تُقام على الأموات و الجنائز، بل هي لم تكن إلاّ قراءة قوله تعالى: «إِنَّ الله‌َ وَمَلاَئِكَتَهُ....»الآية، كما قد يؤيّد ما ذكرنا عدم رعاية القبلة حيث إنّ الناس كانوا يدورون حول جنازته ويدعون له صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهبالآية ، فإتيانها فرداً فرداً لا يوجب أن يكون دليلاً على كراهة إتيانها جماعةً في غير النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، كما قال به ابن ادريس الحلّي.

فثبت من جميع ما ذكرنا عدم استبعاد كراهة التكرار مطلقاً، لولا تعلّق رجحانٍ آخر عليه موجبٍ لرفع الكراهة، و الله العالم.

 


[1] الوسائل، ج2، الباب6 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 9.
[2] و 2 الوسائل، ج2، الباب6 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 18 و 21.
[3]  .
logo