91/06/29
بسم الله الرحمن الرحیم
ولا يخفى أنّ الحكم المذكور ليس على نحو الوجوب، والدليل على عدم الوجوب ـ مضافاً إلى الأصل ـ عدّة روايات:
منها: خبر هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليهالسلام، قال: «لا بأس أن يقدّم الرجل و تؤخّر المرأة، و يؤخّر الرجل و تقدّم المرأة؛ يعني في الصلاة على الميّت»[1] .
و منها: مضمرة الحلبي، قال: «سألته عن الرجل والمرأة يُصلّى عليهما؟ قال: يكون الرجل بين يدي المرأة ممّا يلي القبلة، فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل ممّا يلي يساره، ويكون رأسها أيضاً ممّا يلي يسار الإمام، ورأس الرجل ممّا يلي يمين الإمام»[2] .
فإنّ دلالة خبر هشام على جواز الأمرين واضحة، كما أنّ الخبر الثاني يتكفّل خلاف ما جاء في الأخبار السابقة ، فمقتضى الجمع لولا التخيير هو حمله على الجواز، غاية الأمر الأَوْلى هو ما جاء في الأخبار السابقة، كما عليه المشهور المنصور، وهو المطلوب.
قوله قدسسره: ويجعل صدرها محاذياً لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة (1) .في بيان تحصيل موقف الفضيلة
(1) ظاهر كلام الماتن أنّ هذه الكيفيّة بجعل صدرها محاذياً لوسطه مرتبطٌ بما ذكره في الفرع السابق عند تعدّد الجنازة و اختلافها في الذكورة و الأنوثة، فهذه الكيفيّة من الوقوف تفيد تحصيل موقف الفضيلة في كلتا الجنازتين، و هي مطابقة لما صرّح به الفاضل والشهيد وغيرهما، بل حكاها في «كشف اللّثام» عن «المبسوط»، بل في «مفتاح الكرامة» عن «المنتهى» أنّ عليها إجماع العلماء كافّة، وإن قال صاحب «الجواهر» بأنّا لم نتحقّقه.
لكن من جهة أخرى هذه الكيفيّة لا تجامع مع ما جاء في مضمرة سماعة والحلبي المتقدمتين؛ لأنّ المذكور فيهما جعل الرجل قدّام المرأة ممّا يلي القبلة، فينعكس الأمر حينئذٍ بأن يجعل صدر الرجل محاذياً لوسط المرأة، لأنّه قد تقدّم عن المرأة في الموضع، فلا يمكن تطبيق هذه الكيفية في حقّهما كما لا يخفى، إلاّ أن يُجعل الرجل من حيث المكان مقدّماً على المرأة، فيحاذي وسطه صدر المرأة فيدرك الفضيلتين.
بل وهكذا لا تجامع مع ما جاء في موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبدالله عليهالسلام : «في الرجل يُصلِّي على ميّتين أو ثلاثة موتى، كيف يصلّي عليهم؟
قال: إن كان ثلاثة أو اثنتين أو عشرة أو أكثر من ذلك، فليصلِّ عليهم صلاة واحدة، يكبِّر عليهم خمس تكبيرات كما يصلّي على ميّتٍ واحد، ومن صلّى عليهم جميعاً يضع ميّتاً واحداً ثمّ يجعل الآخر إلى إلية الأوّل ثمّ يجعل رأس الثالث إلى إلية الثاني شبه المدرج، حتّى يفرغ منهم كلّهم ما كانوا ، فإذا سوّاهم هكذا قام في الوسط فكبّر خمس تكبيرات، يفعل كما يفعل إذا صلّى على ميّتٍ واحد.
سُئل: فإذا كان الموتى رجالاً ونساءاً؟
قال: يبدء بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى إلية الأوّل، حتّى يفرغ من الرجال كلّهم ، ثمّ يجعل رأس المرأة إلى إلية الرجل الأخير ، ثمّ يجعل رأس المرأة الأُخرى إلى إليه المرأة الأُولى حتّى يفرغ منهم كلّهم ، فإذا سوّى هكذا قام في الوسط، وسط الرجال، فكبّر وصلّى عليهم كما يُصلّي على ميّتٍ واحد». الحديث[3] .
بل الصلاة بهذه الكيفيّة ظاهر جماعةٍ منهم الشهيد في «الذكرى» مع تصريحه هنا بما في المتن العمل به، بل قال العلاّمة في «القواعد» بعد ذكر ما في المتن في آخر الفصل الثالث في تعدّد الجنائز: (وينبغي أن يجعل رأس الميّت الأبعد عند ورك الأقرب وهكذا) كما قال كذلك في تذكرته وتحريره ونهايته.
ثمّ قال: (صفّاً مدرّجاً ، ثمّ يقنت الإمام وسط الصف..) إلى آخر ما جاء في «الجواهر» من نقل كلمات العلماء، الدالّة جميعها على عدم مساعدتها مع ما في المتن، و لهذا لا بأس بتوضيح الرواية بحسب المستفاد ممّا جاء فيها:
أقول: كيفيّة وضع الجنازة مختلفة: لا يخفى.
تارةً: توضع الجنائز في صفٍّ واحدٍ مستوياً من دون اختلاف في الوضع، بأن تصّف كلّ جنازة بجوار جنازة أُخرى مساوياً لها. ففي هذه الصورة إذا كانت الجنائز من صنفٍ واحدٍ كالرجال والنساء، فالمسألة تكون واضحة بالنسبة الى تحصيل موقف الفضيلة، وهو الوسط في الرجال والصّدر في النساء، فيكون مضمون الرواية المشتملة على هذه الكيفيّة معمولاً بها بلا إشكال كما لا يخفى.
وأُخرى: لو لم يكن كذلك، وهو أيضاً:
تارةً: تكون الجنائز من صنفٍ واحد كالرجال جميعاً أو النساء كذلك ، ولكن مع ذلك وقع الاختلاف من جهة الوضع كالمدرج بأن جُعل رأس كلّ ميّتٍ عند إلية الآخر هكذا إلى آخر العدد، وقام الإمام عند وسطهم في الرجال، وعند صدرهنّ في النساء، ففي هذه الحالة يكون العمل بصورة التدريج الذي ورد ذكره في حديث عمّار، فإنّه من الواضح أنّه لا يمكن تحصيل موقف الفضيلة إلاّ بأن يكون موقف الإمام في وسط جنائز الرجال، وإن قلنا بضميمة كون موقف الوسط في الجنائز هو وسط الرجل من الجنائز لا في سائر أعضائه ، وهكذا في النساء امام صدورهنّ، ولكن على كلّ حال لا يمكن تحصيل هذه الفضيلة بالنسبة إلى كلّ ميّت من الرجال في الوسط ومن النساء في الصدر.
وأُخرى: لو كان الوضع بمثل ما ذكرناه من التدريج، و كانت الجنائز متعددة و مختلفة من الرجال والنساء بأن يُجعل رأس المرأة عند إلية الرجل الأخير إذا كان الرجل ممّا يلي الإمام وكان متعدّداً، وكذلك في النساء بعد الرجال.
هذا إذا قلنا بتقديم الرجال على النساء على وفق كلام المشهور، وكذلك مثله في الترتيب إذا قلنا بتقديم المرأة على الرجل ، فبعد إتمام الصلاة على جنائز النساء تدريجاً يوضع الرجال كذلك ، ففي مثله لا يمكن تحصيل موقف الفضيلة من الوسط أو الصدر إلاّ بواحد منها لا أكثر؛ لأنّ المفروض تعدّد الجنائز من صنفٍ واحد من الرجال أو النساء، وهذا هو الذي ورد ذكره في رواية عمّار الساباطي من لزوم جعل وسط الرجال موقف الإمام ، الظاهر في أنّه مؤيّد لكلام المشهور من تقديم الرجل على المرأة في كونه ممّا يلي الإمام، ولا يجري في هاتين الصورتين ما وقع في كلام الماتن من إدراك الفضيلة لكلٍّ من الرجل والمرأة كما لا يخفى.