91/06/26
بسم الله الرحمن الرحیم
نعم، يستفاد من ظاهر خبر موسى بن بكير خلاف ما جاء في الروايتين، لأنّه روى عن أبي الحسن عليهالسلام، قال:
«إذا صلّيت على المرأة فقُم عند رأسها، وإذا صلّيت على الرجل فقُم عند صدره»[1] .
وقد جمعهما صاحب «الجواهر» بحمل ما في الخبرين على وجود المجاورة، لأنّ القيام عند الرأس ربّما يوافق مع الصدر لكونه في جواره، كما هو الحال في الرجل بالنسبة إلى الصدر، أي يجاور الوسط فترتفع المخالفة بينهما من أساسها.
ولكن التزم بعض الأصحاب بالتخيير أخذاً بظاهر كلّ منهما في المخالفة، كما عن صاحب «الوسائل» والفاضلين في «المعتبر» و «المنتهى»، فيصير هذا قولاً ثانياً في المسألة.
لكن احتمل صاحب «الجواهر» كون الأفضل هو الأوّل في مورد التخيير، فيصير قولاً ثالثاً، كما أنّه نقل عن الشيخ في «الاستبصار» العمل بمضمون خبر موسى بن بكير فقط فيكون قولاً رابعاً، ولكن ردّه بقوله: (وهو في غير محلّه).
بقي هنا قول آخر للشيخ في «الخلاف» و هو القول بالوقوف عند رأس الرجل وصدر المرأة مدّعياً عليه الإجماع .
وضعفه واضحٌ، حيث لم نجد في النصوص لذلك أثراً، بل وكذا في الفتاوى، سوى ما حُكي عن عليّ بن بابويه .
أقول: لعلّه نزّل فتوى ابن بابويه بمنزلة الرواية، لأنّ أكثر فتاويه على ما نُقل لا تكون إلاّ نصّ الرواية، غايتها أنّها كالخبر المرسل، فلا تقاوم المعارضة مع ما عرفت، فهذا قولٌ خامس.
كما لا يقاوم المعارضة ما ذهب إليه ابن بابويه في «الفقيه» و «الهداية» من الوقوف عند الرأس مطلقاً، أي في الرجل والمرأة، كما حُكي مثله عن الشيخ أيضاً، وعن «المقنع» الوقوف عند الصدر مطلقاً.
وهما مردودان بما سبق بيانه، و هكذا بلغت الأقوال ستّة، إن أدغم الثالث في الثاني و اعتبرناهما واحداً و إلاّ فسبعة.
خلاصة البحث: الأقوى عندنا هو ما عليه الأكثر لوجهين:
أحدهما: ملاحظة ما ورد من نهي الإمام عليهالسلام من الوقوف في وسط المرأة ، فضلاً عن أنّه قد عيّن وقوفه ممّا يلي صدرها، حيث إنّ إثباته كان بالنفي والإثبات، فيكون أظهر في الدلالة والتعيين.
وثانيهما: بما جاء في رواية جابر، نقلاً عن الباقر عليهالسلام بلفظ : «أنّه كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهيفعل»، مؤيّداً لما قاله المشهور، لأنّه يدلّ على الاستمرار المُثبت للمحبوبيّة عنده صلىاللهعليهوآله ، مضافاً إلى كونه أشهر فيرجّح، كما يستفاد ذلك من قوله عليهالسلام : «خُذ بما اشتهر بين أصحابك»، باعتبار أنّه ملاك عام يشمل جميع الموارد لا خصوص الروايات، وإن كان مورده فيها، لأنّه نحو إرشادٍ إلى ما هو أحسن عند العرف والعقلاء، كما لا يخفى على المتأمِّل.
بل قد يؤيّد قول المشهور في أنّ السُّنة الوقوف في وسط الرجل ، مضافاً إلى ما عرفت ، رواية «فقه الرضا»، في حديثٍ: «ويقف الإمام خلف الرجل وسطه، ويصلّي عليهم جميعاً صلاة واحدة»[2] .
كما قد يؤيّد قول الوقوف على رأس الميّت الوارد في رواية موسى بن بكير على احتمال، ما جاء في مضمرة سماعة في حديثٍ، قال : «لو اجتمعت الجنازات من الرجل والمرأة، يقوم الإمام عند رأس الميّت فيصلّي عليها» الحديث[3] .
بناءاً على أنّ رأس الميّت محلّ وقوف الإمام هو رأس المرأة التي توضع أسفل من الرجل بقليل؛ فيكون حينئذٍ وسط الجنازات، و إلاّ ربّما يحتمل أنّ المراد رأس الرجل المقدّم على المرأة .
وكيف كان، فالمسألة واضحة، والأمر سهل، حيث إنّه أمر استحبابي.
والذي ينبغي أن يلاحظ فيه يبحث عنه هو كيفيّة وقوف المصلّي في الخُنثى، و أنّه ملحقٌ فهل هي بالأُنثى أو الذكر، أو يكون مخيّراً؟ فيه خلاف .
الظاهر أنّ المراد منه هو الخُنثى المشكل وما يشبهه كالممسوح، و إلاّ فمن كان وضعه معلوماً بالعلامات الشرعيّة يلحق به في الأحكام، ومنها المقام كما لا يخفى.
وفي «كشف اللّثام» و «جامع المقاصد» اختيار الأوّل، مستدلاًّ في الثاني بالتباعد عن موضع الشهوة.
لكن أشكل فيه صاحب «الجواهر»، وقال: (وإشكال في الأُولى، ولذا تردّد فيها في المحكي عن «الرياض»، بل في كشف الاُستاذ، ويتخيّر في الخنثى المشكل والممسوح، ولعلّ ملاحظة الصدر أَوْلى).
أقول: الظاهر أنّ التخيير هنا أَوْلى و ذلك بملاحظة عدم وضوح حالها من الرجوليّة والأنوثة، وإن كان التمسّك ببعض المناسبات الذي أُشير إليه في كلام المحقّق وكاشف الغطاء لا يخلو عن وجاهة.
وأمّا حكم الصغيرة والصغير: فالظاهر إلحاق كلّ منهما إلى من هو جنسه، من جهة كون المراد ظاهراً من الرجل والمرأة في الروايات هو جنسهما، لا الكبير منهما كما هو مختار صاحب «الجواهر»، بل وجزم به في ظاهر «المنظومة» أو صريحها.
قوله قدسسره: وإن اتّفقا جعل الرجل ممّا يلي الإمام، والمرأة من ورائه (1) .
أقول: لا يبعد إجراء ذلك في أبعاض هؤلاء الأفراد من جهة أنّ الوقوف من باب إلحاق البعض بالكلّ في الأحكام ، بل حتّى في الأولويّة التي قد ذكرت كما أشار إليها صاحب «الجواهر» رحمهالله بقوله: (كما أنّ الأولويّة المزبورة لا تخلو منه أيضاً، وإن كان وجهها واضحاً).في حكم كيفيّة الصلاة على جنازة الرجل والمرأة
أقول: بعد ما ثبت محلّ استحباب وقوف المصلّي في الرجل والمرأة، يقع الكلام في أنّ هذا المحلّ هل هو مختصّ بالإمام كما هو ظاهر المتن، أو للأعمّ بحيث يشمل المنفرد أيضاً؟
والثاني هو الأظهر، ولعلّ وجه الاختصاص لأجل ما هو الغالب في الخارج من اشاعة إقامة صلاة الميّت جماعةً، و لذلك يكون الحكم الوارد عاماً للجميع لا بيان لزوم ذلك في خصوص الإمام.
نعم، ينبغي استثناء المأموم كما نصَّ عليه جماعة؛ لوضوح أنّ المأموم ربّما يقع في الصّف الطويل أو في الصفوف المتأخّرة، فلا يمكن له مراعاة ذلك، كما صرّح بذلك العَلاّمَة الطباطبائي في المنظومة بقوله:
والمقتدي له الوقوف في طرف
بالبُعد في الصفوف أو بطول صفّ
نعم، يمكن تعميم الحكم للمأموم أيضاً باستحباب تحصيل ما يلي موقف الإمام في صورة الإمكان من باب التسرية.