90/07/30
بسم الله الرحمن الرحیم
صلاة الآیات
موضوع: صلاة الآیات
قوله قدسسره: الثانية: إذا اتّفق الكسوف في وقت نافلة اللّيل، فالكسوف أَوْلى، وإن خرج وقت النافلة، ثمّ يقضي النافلة (1) .في حكم تقديم الكسوف على النافلة
(1) أولويّة صلاة الكسوف على النافلة إجماعيٌّ بقسميه ، بل في معقد إجماع «التذكرة»، والمحكي منهما عن «المعتبر» و «المنتهى» مطلق النافلة، سواءٌ كانت موقّتة أم لا، أو راتبة أم لا. بل قال في «المدارك»: (هذا قول علمائنا أجمع). حيث إنّ عبارة المصنّف رغم أنّها مطلقة من جهة الوقت لهما، بأن كان موسّعاً أو مضيّقاً، ولكن إن قلنا بالأولويّة في الموسّع لهما، ففي المضيّق يكون بطريق أَوْلى، لعدم إمكان مزاحمة النافلة للفريضة، ولذلك يلاحظ أنّه قال أنّ صاحب «مصباح الفقيه»: (أمّا مع ضيق وقتهما فوجهه واضحٌ)، لما دلّ عليه الخبر بالخصوص، مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة.
و الخبر المذكور الدالّ عليه، هو صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليهالسلام، قال: «قلتُ له في حديثٍ: «فإذا كان الكسوف في آخر اللّيل، فصلّينا صلاة الكسوف فاتَتْنا صلاة اللّيل، فبأيّتهما نبدأ؟ فقال: صلِّ صلاة الكسوف واقض صلاة اللّيل حين تَصبح»[1] .
أقول: بل قد يستفاد منه في الجملة، ومن بعض أخبارٍ أُخَر ـ سنشير إليها ـ أولويّة الكسوف حتّى مع سعة الوقت لهما، أو سعة الوقت لخصوص الكسوف.
أمّا الأخبار العامّه: فمثل عموم الأدلّة الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة:
منها: الخبر المرويّ عن أديم بن الحُرّ، قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول: لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة، قال: وقال: إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها»[2] .
و منها: خبر أبي بكر، عن أبي جعفر عليهالسلام، قال: «إذا دخل وقت صلاة فريضةٍ، فلا تطوّع»[3] .
وغيرهما من أخبار هذا الباب.
و أمّا الأخبار الخاصّة: فهي عدّه أخبار خاصّة واردة في هذا المقام:
منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال: «سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة؟ فقال: ابدأ بالفريضة. فقيل له: في وقت صلاة اللّيل؟ فقال: صلِّ صلاة الكسوف قبل صلاة اللّيل»[4] .
و منها: صحيحته الأُخرى التي ذكرناها قبل ذلك.
و مع حكمنا بتقديم الكسوف، فلو أوجب ذلك قضاء النافلة، حكم بإتيان قضائها في الصحيح، كما صرّح بذلك في خبر ابن مسلم، ولأجل ذلك حكم المصنّف بقوله : (ثمّ يقضي النافلة) مثل فتوى سائر الأصحاب كما لا يخفى.
هذا إذا كان الوقت واسعاً لهما، ولم يكن قد صلّى النافلة حتّى ضاق وقتها، وأمّا إن لم يكن كذلك فسنذكره لاحقاً.
الفرع الأوّل: أنّه لو قدّم النافلة على الكسوف فإنّه:
تارةً: يكون في سعة وقت الكسوف ، فصدق العصيان أو البطلان مبنيّان على القول بحرمة التطوّع في وقت الفريضة حتّى في سعة الوقت، ولكن بعض الأصحاب على خلاف ذلك، لأنّهم حملوا الأخبار الناهية على ضيق الوقت لا في سعته؛ لكثرة الأخبار الواردة الناصّة على الجواز كما عن «جامع المقاصد»، و ليس المقام محلّ ذكرها والتحقيق فيها.
و أخرى: يكون في ضيق الوقت، فإنّه لا إشكال في أنّه يعدّ عاصياً لو أتى بالنافلة وترك الكسوف لأنّه الواجب عليه، وأمّا بطلانها فمبنيّ على القول بمسألة النّهي عن الضّد، أو انتزاع النّهي عن الدليل بالنسبة إلى النافلة، لا أقلّ لو لم نقل بالبطلان في الفريضة؛ لحمل الأخبار الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة على صورة ضيق الوقت، فالنهي المتعلق بالعبادة يوجب البطلان.
و عليه، فالقول بالبطلان هنا أَوْلى وأوجه حتّى لو لم نقل بالبطلان في الواجب، إن شمل الفريضة لغير اليوميّة.
وأمّا الإتيان بالنافلة قبل الكسوف مع سعة وقت الكسوف:
فالظاهر أنّه جائزٌ كما عليه المحقّق في «جامع المقاصد» حيث قال:
(إنّ الأولويّة هنا بمعنى الأحقّيّة، بل وهكذا في سائر النوافل غير نافلة اللّيل).
لكن قال : (وظاهر المصنّف في كتبه العدم، وهو مستفادٌ من إطلاق قولهم: تصلّى النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة ).
بل في «مفتاح الكرامة» : (ليس ذلك ظاهر المصنّف وحده، بل ظاهر إطلاق الفتاوى والإجماعات ، بل بذلك صرّح الشهيد وغيره).
ولعلّ وجه منعهم هنا، ملاحظة ما جاء في صحيح محمّد بن مسلم، من قوله عليهالسلام : «صلِّ صلاة الكسوف قبل صلاة اللّيل»، كما عرفت من الأخذ بظاهره من إيجاب التقديم بصورة الإطلاق .
اللهمَّ إلاّ أن يحمل على مطلق الرجحان، كالإطلاقات السابقة ممّن لم يقل بحرمة التطوّع قبل الفريضة، ولذلك قال صاحب «الجواهر»: (إنّه ليس ببعيدٍ، بناءً على جواز التطوّع في وقت الفريضة).
قد يقال: يمكن القول بالجواز هنا حتّى لو قلنا بالمنع في اليوميّة مع النافلة؛ بناءً على أنّ المراد من النّهي عن تقديم النافلة على الفريضة، هو اليوميّة لا عن مطلق الفريضة، حتّى يشمل الكسوف، لأنّه المتبادر والمنساق إلى الذهن.
قلنا: هذه الدعوى لا يخلو عن تأمّل كما سيأتي.