90/07/09
بسم الله الرحمن الرحیم
صلاة الآیات
موضوع: صلاة الآیات
أقول: لا يخفى ما في كلامه من الإشكال ؛ لوضوح أنّه:
لو قلنا بمقالة صاحب «الحدائق» رحمهالله من وجوب المبادرة في أوّل الوقت مع الإمكان والاختيار، فالالتزام بجواز القطع بل وجوبه أمرٌ غير مستبعَد، لأجل درك أمرٍ واجب أهمّ، وهو الإتيان باليوميّة في أوّل وقتها .
وأمّا إذا لم نقل بالوجوب، بل غايته استحبابه لدرك فضيلة الوقت، فالحكم بوجوب قطع صلاة الآيات أو جوازه ـ بمثل هذه الاعتبارات والاستحسانات، مع عدم صراحة واضحة في الأخبار في كون المزاحمة لوقت الفضيلة، بل المنصرف إليه عند الإطلاق هو وقت الإجزاء، كما عليه أكثر المحقّقين والمعروفين من الأصحاب ـ في غاية الإشكال، خصوصاً ملاحظة ما جاء في كلام صاحب «الجواهر» من الاستدلال على الجواز بقوله: (على أنّ عمدة ما في هذه النصوص من المخالفة، هو عدم قدح مثل هذا الفصل، والفرض التزامه في حال الضيق ، فمع الكراهة لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من ثبوت ذلك للفضيلي، كما أنّه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من جواز تلبّسه بالفعل إلى حصول ما كان يخاف أوّلاً من فعله فوات الوقت، فيقطع حينئذٍ، إذ الفرض خوفه الفوت بالإتمام لا التلبّس كما هو واضح...)
و عليه، ثبت ممّا ذكرنا أنّ الالتزام بجواز هذا الفصل ليس من عندنا، بل ثابتٌ لأجل دلالة النصّ الصريح الآمر بالقطع إيجاباً لا ندباً، لأهمّية الفريضة اليوميّة مع غيرها عند التزاحم، وهي لا توجب القول بجواز القطع أو وجوبه لأجل درك فضيلة الوقت الذي هو أمرٌ ندبي محبوبٌ عند الله إذا لم يزاحمه واجبٌ وهو الاستمرار والاتّصال في أجزاء واجبٍ كصلاة الآيات، كما أنّ الحكم كذلك فيما إذا زاحمه واجبٌ آخر غير صلاة اليوميّة، حيث لا يجب بل لا يجوز رفع اليد عن واجبٍ لأجل درك فضيلة الوقت.
و عليه فالالتزام بذلك عند المزاحمة مع فضيلة الوقت ضعيفٌ جدّاً ، فالأقوى عندنا ـ كما عليه العَلاّمَة البروجردي والاصطبهاناتي ـ عدم الجواز ، و الله العالم.
هذا كلّه فيما إذا زاحم صلاة الآيات فوت الوقت من الإجزاء أو الفضيلة من اليوميّة، وأمّا إذا لم يكن كذلك، أي لا خوف على فوات وقت الفضيلة، فضلاً عن الإجزاء، مثل ما لو شرع بعد مضيّ وقت الفضيلة، أو كان وقتها متّسعاً غير مضيّق، فلا يجوز له إيجاد هذا الفصل؛ لظهور النصوص بل صراحتها في الشرط المزبور.
هذا كلّه تمام الكلام في سعة الوقت لكلتا الصلاتين.
أقول: بقي هنا ثلاث صور:
صورة ما لو ضاق وقت اليوميّة دون الكسوف، فلا إشكال في تقديم اليوميّة ، بل في «التنقيح» و «المدارك» و «الحدائق»، والمحكي عن «المنتهى» و «إرشاد الجعفريّة» الإجماع عليه، بل الظاهر أنّ كلامهم في وجوب تقديم المضيّق مطلقٌ شاملٌ حتّى للصورة الثانية من ضيق وقت الكسوف دون اليوميّة، ولذلك لم يعيّن صاحب «الجواهر»[1] يعيّن إحدى الصورتين، وقال بوجوب تقديم المضيّق مطلقاً ، وقال بعد ذكر الإجماع:
(وهو الحجّة، بعد معلوميّة ذلك من أُصول المذهب وقواعده، وبذلك يخرج عن دعوى إطلاق ما دلّ على فعل اليوميّة أو الكسوف) من جهة التقديم، لو سُلّم أصل الدعوى.
بل قال خصوصاً بعد عدم معلوميّة قائلٍ بمقتضاه، بأنّه: (في «كشف اللّثام»مأنّ ظاهر الصدوقين ومن تلاهما ـ أي ممّن قال بوجوب البدأة باليوميّة ـ تقديم الفريضة، وإن اتّسع وقتها وضاق وقت الكسوف).
ثم أضاف ما خلاصته: إلاّ أنّ ما تقدّم من الإجماع وأُصول المذهب والقواعد على خلافه، فيكون الواجب حينئذٍ تقديم ما هو المضيّق منهما، وتأخير المتّسع إلى بعد المضيّق، لا التلبّس بصلاة الآيات إذا كان وقت الكسوف متّسعاً، وقطعها عند خوف فوت وقت الفضيلة والإجزاء في الأثناء.
نعم، يمكن تجويز هذه الصورة بناءً على القول بالتسبيب في الكسوف، وعدم اعتبار وقوع الفعل حال وجود السبب، بأن يكون وجود السبب كافياً في وجود المبادرة إلى الفعل حال حصول السبب، بجواز الدخول في الصلاة، وجواز القطع في الأثناء، إذا خشي فوت وقت الفضيلة، لإطلاق الأدلّة السابقة، وترك الاستفصال فيها، ولا يلزمه جواز الابتداء كذلك، لمنافاته مع وجوب المبادرة على السببيّة، ولو بالشّروع في الكسوف والقطع في الأثناء، إذ لا دليل حينئذٍ على وجوب المبادرة في إتمام الفعل في مثله، بل يكفي في مثل هذا الفرض وجوب الشروع في الكسوف والقطع في الأثناء، لأجل خوف وقت الفضيلة فضلاً عن الإجزاء.
وكيف كان، فقد ظهر في هذا التقرير وجوب تقديم المضيّق في كِلتا الصورتين، إلاّ على القول بالتسبيب، حيث يجوز تقديم الموسّع على الحاضرة، بلحاظ أنّ أصل وجود السبب وتحقّقه يوجب وجوب المبادرة إلى فعله بالشروع مع جواز القطع في الأثناء، مع وجود الخوف المزبور.
و عليه، فيكون المراد من (ضيق وقت الفريضة المانع من صلاة الآيات)، عدم سعة الوقت حتّى بمقدار التلبّس بصلاة الآيات، لا أنّها غير واسعة لا تستوعب تمامها، لما ثبت في اثناء البحث أنّه لا يتعيّن أن تكون الصلاة مستوعبة لتمام الوقت، بحيث يكون متلبساً بها في تمام الوقت، بل يجوز للمصلّى التلبّس بها الى بلوغ ما به فوت الفريضة، فيترك صلاة الآيات و يشتغل بالفريضة في اثنائها، ثمّ يبني على ما مضى من صلاته.
بل قد يظهر من ذلك ندرة وقوع التزاحم حتّى حينما يكون متلبساً بأن يقوم بإتيان تكبيرة الإحرام للآيات، ثمّ الاشتغال بالفريضة في اثناء صلاة الآيات، و بهذه الكيفيّة يقوم بالجمع بين الحكمين، و هما: وجوب المبادرة الى صلاة الآيات بمجرد تحقّق السّبب، و وجوب الاحتفاظ بالوقت للفريضة و عدم فعل ما يوجب فوتها و فوت وقت فضيلتها، ندباً فيها و وجوباً في الإجزاء، حيث بهذه الكيفيّة يكون قد جمع بين الحقّين.
و لعلّ النصوص الدالّة على جواز القطع في اثناء صلاة الآيات، مشيرة الى صورة ضيق وقت الكسوف، و أنّه عدم سعة الوقت تكون صلاة الآيات متقدمة على الفريضة.
و بالجملة: تبيّن أنّ الحكم في هاتين الصورتين واضحة، إن قلنا بالتسبيب في الكسوف، و إلاّ يُشكل الحكم بما ثبت من وجوب تقديم المضيّق و تأخير الآخر الموسّع وقته، و لا يجوز التلبّس بالموسّع و الدخول فيه، حتّى بتكبيرة الاحرام ثم القطع في الاثناء و التلبّس بالمضيّق وقتها، لما ثبت أنّ مدلول النصوص و مساقها لم تكن تشمل هذه الصورة، بل تفيد وجوب تقديم المضيّق مطلقاً، والله العالم.