< قائمة الدروس

الأستاذ مهدی احدی

بحث الفقه

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: كتاب الطهارة/غسل الجنابة /مسائل/ الدرس 92

 

البلل المشتبه وصوره

المسألة (3): إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال، ‌ثمَّ خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني، فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنّها منيّ، فيجب‌ الغسل، ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات بعده، يحكم بأنّه بول، فيوجب الوضوء، ومع‌ عدم الأمرين يجب الإحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء، إن لم يحتمل غيرهما، وإن احتمل كونها مذياً مثلا، بأن يدور الأمر بين البول والمنيّ والمذي؛ فلا يجب عليه شيء، وكذا حال الرطوبة الخارجة بدواً من غير سبق جنابة، فإنّها مع دورانها بين المنيّ والبول يجب الإحتياط بالوضوء والغسل، ومع دورانها بين الثلاثة، أو بين كونها منيّاً أو مذياً، أو بولاً أو مذياً، لا شيء عليه‌.

في المسألة ثلاث صور:

الصورة الأولى: إذا اغتسل بعد الجنابة بلا استبراء بالبول قبله. وفيه أمور:

الأمر الأوّل: أنّ البلل المشتبه المحتمل كونه منيّاً، بأن يكون مردّداً بين المنيّ والبول أو بين المنيّ والمذي أو الوذي أو الودي، ولا يكون مردّداً بين البول والمذي أو الوذي وغيره،[1] لا إشكال أنّه في حكم المنيّ ويجب معه الإغتسال، وذلك للأخبار المعتبرة، التي فيها صحيحة وموثّقة، حيث دلّت على أنّه في حكم المنيّ، وعليه الغسل، وهذا هو المشهور بين الأصحاب، لكنّ الصدوق قائل باستحباب الغسل،[2] تمسّكاً برواية مرسلة "إن كان قد رأى بللاً ولم يكن بال فليتوضّأ ولا يغتسل، إنّما ذلك من الحبائل"،[3] والحبائل عروق ظهر الإنسان أو الذَّكَرْ، والصدوق جمع بين هذه وبين الروايات المتقدّمة الآمرة بالغسل، أنّ الغسل مستحبّ لا واجب، خلافاً للمشهور.

ويدفعه: أنّ الرواية مرسلة، ولا اعتبار بالمراسيل، ودلالتها ضعيفة، لأنّ الحبائل كالمذي إذا خرج لا يكون موجباً للوضوء، فكيف حكم (ع) بالوضوء، فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور.

نعم؛ قد وردت روايتان مستندتان تدلاّن على عدم وجوب الغسل:

أحدهما: رواية زيد الشحّام عن أبي عبد الله (ع)، قال:" سألته عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول، ثم رأى شيئا، قال: لا يعيد الغسل، ليس ذلك الذي رأى شيئا".[4]

ثانيهما: رواية عبد الله بن هلال، قال:" سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجامع أهله، ثم يغتسل قبل أن يبول، ثم يخرج منه شيء بعد الغسل، قال: لا شيء عليه إنّ ذلك ممّا وضعه الله عنه".[5]

ولكن لا يصلح شيء من الروايتين، للمعارضة مع الروايات المعتبرة من الصحيحة والموثّقة، لضعف الدلالة والسند. أمّا الأولى فبأبي جميلة المفضّل بن الصالح، وأمّا الثانية فبعبد الله بن هلال، ووجه ضعف الدلالة؛ فلإعراض الأصحاب عنهما أوّلاً، وأنّ الجماع غير مستلزم للإنزال دائماً حتّى يجب البول بعده، وكذا الجنابة المطلقة، وقوله "يجامع أهله" لا يستلزم الإنزال، لازمه شرطية البول للغسل حتى في صورة عدم خروج المنيّ والإنزال، وهو خلاف فتوى الأصحاب، لعدم وجوب تجديد الغسل مطلقاً، ولو لم يخرج منه شيء.

الأمر الثاني: في وجوب الغسل عند خروج البلل المشتبه بعد الغسل وقبل البول مطلقاً، أو أنّه يختصّ بما إذا ترك البول مع التمكّن منه قبل الاغتسال، وأمّا إذا تركه لعدم تمكّنه من البول، فلا يجب عليه الإغتسال؟ الصحيح عدم الفرق في وجوب الغسل بين ترك الاستبراء مع تمكّنه بالبول وعدم التمكّن منه، وذلك لإطلاق روايات الباب، وعدم ورود دليل على التقييد ولو رواية ضعيفة.

الأمر الثالث: هل يجب الغسل مطلقاً، أو يختصّ بما إذا ترك البول قبل الغسل متعمّدا، وأما إذا تركه ناسياً فلا يحكم عليه بوجوب الغسل؟ نسب التفصيل بين الناسي والعامد إلى الشيخ،[6] وهو ظاهر رواية جميل بن درّاج، قال:" سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة، فينسى أن يبول حتى يغتسل، ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال: لا، قد تعصّرت ونزل من الحبائل".[7]

ولكن هذه الرواية لا تقاوم الأخبار الدالة على وجوب الغسل مطلقاً، ولا تصلح لتقييد إطلاقها، إذ أوّلاً: أنّ الأصحاب أعرضوا عنها ولم يعملوا بها، وثانياً: أنّها ضعيفة السند بـ "عليّ بن السندي" الذي لم تثبت وثاقته، وثالثاً: أنّ قوله (ع) في الجواب "قد تعصّرت ونزل عن الحبائل"؛ يكون مشعراً بأنّ النازل من الحبائل،[8] وبقي قول الشيخ الطوسي الذي ذهب فيه إلى التفصيل بين العامد والناسي بلا دليل.

 


[1] لأنّها تختصّ بالوضوء.
[8] وهو لا يقتضي الوضوء فضلاً عن الغسل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo