< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

45/11/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التحليل التفصيلي لماهيات المعاملات وآثاره

 

وصل بنا الكلام إلى التنبيه الثالث في المعاطاة، وكما يقول بعض المحققين من أصحاب الحواشي على المكاسب أنَّ الكثير تنبيهات المعاطاة البحث فيها لا يختص بالمعاطاة بل هو بحث يأتي حتى في البيع والعقد اللفظي هذا من جانب، ومن جانب آخر أنَّ البحوث فيها لا يخت بعضها بالبيع بل هو شامل للعقود المعاوضية الأخرى، فهنا يقع الكلام في أنَّ البيع هل يتقوم بالتفكيك والفصل بين المتعاقدين بأن يكون احدهما بائع والآخر مشتري أم أنَّ هذا الفصل والتفكيك ليس بمقوم للبيع كما في الاجارة مثلاً الأجرة كالثمن الأجرة في الاجارة كالثمن في البيع والمنفعة المستأجرة في الإجارة نظير المبيع في البيع، فالمنفعة المستأجرة في الاجارة هي سلعة تشترى بثمن وهو الأجرة، ومن ثم ورد في روايات اهل البيت عليهم السلام استعمال البيع والشراء في الاجارة، حيث يعبر عن الاجارة بالبيع ( باع المنفعة ) و( ثمن المنفعة ) فاستعمل لفظ البيع في الاجارة في الروايات العديدة وليست وراية وادة ولا اثنين ولا ثلاثة ويظهر من الروايات الشريفة أنَّ هذا استعمال عرفي في زمن صدور النص بل في الحقيقية لا زال يستعمل تمليك المنافع بتعبير بيع المنافع وأنَّ الأجرة بمثابة الثمن.

ومن ثم ذكر الفقهاء أنّ درجات في البيع عديدة تكاد تختلط بعض درجات البيع الخفيفة في الاجارة وتختلط بعض درجات الاجارة في البيع، فمثلاً الاجارة لمائة عام فهذه هل هو اجارة أو هو بيع ولو أنه بيع محدود ولو أنَّ البيع مختص بالرقبة مدى العمر أو يمكن أن يكون البيع لمدّة معينة؟، فبالتالي هناك درجات من الإجارة ودرجات من البيع يختلط بعضها مع بعض، شبيه العقد المنقطع في النكاح إذا تزوجها خمسين أو سبعين سنة فمن قال إنَّ عمريهما سيمتد إلى خمسين أو سبعين سنة فهل هذا نكاح دائم أو منقطع؟ إنه يوجد كلام في تنقيح البحث.

إذاً المنفعة في الاجارة بمنزلة المبيع والاجرة في الاجارة بمنزلة الثمن في البيع ولا يخفى أنَّ المنفعة في الاجارة قد تكون منفعة الانسان فيسمى اجيراً وقد تكون عيناً جامدة كالدار والدابة والسيارة والآلة فيقال عين مستأجرة، وأنا اخوض في هذا البحث وهذه التفاصيل كي نتعرَّف على ماهيات العقود وقضية التفكيك بين المتعاقدين وتنويع العقود.

وصاحب الكفاية عنده كتاب في الاجارة مطبوع وانصافاً تدقيقاته الصناعية الفقيه متينة، وبعده الأصفهاني تبعاً لاستاذه صاحب الكفاية كتب كتاباً في الاجارة حيث بحث غوراً أكثر وأكثر، ثم بعد ذلك تلاميذ الاصفهاني والنائيني والسيد محمود الشاهرودي المدفون هنا وهو كبير تلاميذ النائيني حيث عنده كتاب في الاجارة وكذلك السيد الخوئي عنده كتاب في الاجارة، فالمقصود أنَّ بحث الاجارة أخذ في التطور والتعمق ككتاب البيع ببركة الخطوة التي قام بها صاحب الكفاية، فصاحب الكفاية في الاجارة حتى هنا في حواشي المكاسب يبدي هذه النظرية، وطبعا هذه النظرية التي يذكرها يسعفه بها بعض أقوال اللغويين ويسعفه فيها استعمال الروايات وأن لفظة البيع استعملت في الاجارة كثيراً فبدل أن يقال آجرت يقال بعتك منفعة الدار إلى سنة مثلاً ومثل هذا التعبير، والمفروض أنَّ نظرية صاحب الكفاية تمر علينا في بداية كتاب البيع ولا أدري هل اثرناها أو لم نرثها ولكن لابد وأن تثار هناك حينما يتعرض الشيخ الانصاري للفوارق بين البيع وبين بقية سائر العقود ونحن نثيرها هنا من جهة ماهية العقود وأركانها وقامها واشتراكها وافتراقها وهلم جرا، فصاحب الكفاية يذهب في الاجارة إلى أنَّ الاجارة أيضاً هي تمليك للعين وليس تميلك المنفعة ولكنه تمليك للعين لمدة أو قل على نحوٍ معين، وطبعاً لا نستغرب كلام صاحب الكفاية فإنه يعضده شاهدين وهناك شاهد ثالث يعضده أيضاً أنه ما الفرق بين النكاح المنقطع والنكاح الدائم، فإن كلهما تزويج للمرأة نفسها ولكن بالتالي تزويج ذات المرأة ولكن تارة بنحو الدائم وتارة بنحو المنقطع فأشبه ما يكون الفرق بين البيع والاجارة اشبه بين ما يكون بين النكاح الدائم والمنقطع فكليهما يجريان على رقبة العين إلا أن احهما بمدة والآخر بدون مدّة.

ونحن نتوسَّع لأجل بيان الامتزاج بين ماهيات المعاملات وهذا مفيد جداً، فالبحث التحليلي لعناصر ماهيات المعاملات مفيد جداً لأحكام المعاملات، فهناك يحث مثلا حتى عند الاعلام - وهذا عطف على نظرية صاحب الكفاية - أن الوقف المحدود بشعر سنين هل يصير أو لا بأن يقول أوقف هذه الدار عشر سنين تسمى عندهم الرقبة والعمرة والسكنى ثلاث تقسيمات، وعمرة أي بعمر الموقوف عليهم، ورقبة يعني مادامت رقبة العين موجدة، وسكنى يعني كعشر سنوات، وحتى عندهم هذا التساؤل وهو أنه هل يمكن أن أوقف وقفا مسجداً لسنة مثلاً أو أن خصوص المسجدية تختلف عن بقية الأوقاف وتتنافى مع الـابيد، وهذا بح طويل عريض كله ينطلق من اطلاق مدة عمر العين أو تحديد توقيت مدتها فهل يمكن هذا أو لا يمكن؟، وهذا المثال مرَّ بنا في البيوعات والعقود كأن كانوا شركاء يشترون شقة واحدة ولكن عددهم عشرة أو خمسة فالأول يشتري الشقة على أن تكون منفعة الشهر الأول من السنة ملكه والثاني يتشارك في شرائها معه على أن تكون منفعتها في الشهر الثاني له وهكذا الثاني والثالث وهلم جرا فهم شركاء ليس بنحو الاشاعة وإنما بنحو القاطرة الزمانية وهذا يصح ولا اشكال فيه، وهذا نحو من ملكية العين محدد بأمد زمني دوري، فإذاً هناك أنواع من البيوع فصاحب الكفاية يقول إن الاجارة هي بيع العين وتمليكها ولكن بمدة وإن كان على بعض المنافع بنحو خاص فكل من البيع والاجارة فيه تمليك العين إلا أنه في الاجارة تملي العين محدد بأمد زمني وأما في البيع فلا، وهذا مبنى.

وهناك شاهد آخر - وهنا ليس المجال للدخول في التفاصيل ولكن لأجل استئناس كيفية البحث التحليلي الماهوي في ماهيات العقود فإن هذا مهم - وهو أنه يوجد لدينا أن الاجير والاجارة فيها رائحة أو شمّة من الاسترقاق أو العبودية، حتى أن توجد رواية مرت في الحدود أو التعزيرات السائل يسأل أن صاحب الاجارة هل له أن يؤدب الاجير إذا لم يلتزم فقال له لا بل له أن يفسخ، فهنا يوجد ارتكاز عند العرف كأنما المستأجر يتسلط على الاجير، وورد شبيه ذلك في الزواج ( بنتك حرتك فانظر إلى من ترقّها ).

فعلى كلٍّ هذا البحث طويل الذيل فهل تتداخل ماهيات الرق والبيع والاجارة أو ماذا فهل تختلط الماهيات مع بعضها البعض أو أن شريحة ماهية تدخل في ماهية أخرى؟

نعود إلى أصل المبحث وهو أنَّ ماهية البيع أو قل الإدارة هل تتوقف على التفكيك والتفصيل بين المتعاقدين أو لا:- وهذا هو أصل التنبيه الثالث في هذا المبحث - قد مرت بنا أمثلة في الجلسة السابقة وهي التعاوض بنحو المقايضة فقديماً كانت توجد مقايضات في البين يعني لم يكن في الحضارات القديمة جداً أو حتى في البلدان الموجودة الآن أو حتى في البلدان المتطورة يتعاقد المتعاقدان من دون توسيط النقد والعملة النقدية، ومن الجيد أن نلتفت إلى هذا الشيء وهو أن النقد والعملة النقدية هي وسيط مالي ماذا يعني؟، فلماذا في العرف المالي يسمى النقد وسيطاً؟، ما هي آثار فكرة وساطة النقد مالياً ؟ يقولون إذا قارنا بين العصر الحديث في التعامل المالي مع العصر القديم جدا من الحضارات هو بالتالي الانسان حاجاته هي هي تقريباً فإنه توجد مشتركان كأن تكون حاجته أنه يولّد طعاماً معيناً أو سلعة صناعية معينة فيسوّق هذه السعة فيبيعها كي يحصل هو على حاجاته من طعام آخر أو من صنعة أخرى أو من غير ذلك، فبالتالي منظومة المعاملات هي لأجل سدّ الحاجات بين البشر بعضهم مع بعض، فهذه هي فكرة المعاملات والعقود، فهي لسد حاجات البشر بعضهم لحاجات بعضهم الآخر فهذا عنده امكانية معينة فيسد بها حاجة الطرف الآخر والطرف الآخر عنده إمكانية يسد بها حاجة هذا الطرف، يعني تبادل الإمكانيات، إلا أن البشر لاحظوا أن تبادل الإمكانيات أو السلع في المجلس الواحد صعب وهي المقايضة يعني سلعة مقابل سلعة هذه محل حاجة وتلك محل حاجة فهذا صعب دائماً فوسطوا النقد والمال يعين الاسنان قد يجري سلسلة من المعاملات حتى يصل إلى حاجته فبدلاً من أن تكون الحاجتان للطرفين متوفرتان في نفس مجلس العقد وليكن هاتان الحاجتان لا تتوفران في مجلس العقد وإنما يتوفران بوسائط من المعاملات، فمن ثم كان المال وسيط وأحد التعاريف في علم المال وعلم النقد المالي تعاريف النقد أنه وسيط مالي وسيط في التبادل وهذا تعريف دقيق- وأنأ اعتذر في ذكر هذه الأمور فإنَّ هذه البحوث هي في أصل البحث ولكن نعاود اثارتها للغور في ماهية البيع وأنه كم ماهية نوعية فيه وكم ماهية جنسية وصنفية فيه وهي تنفع في البيع وغيره أي الجهات المشتركة في العقود والجهات المختلفة - فإذاً سمّي المال بالوسيط المالي، وهناك تسمية أخرى للمال والنقد وهذه بحوث وقواعد عامة في كل العقود فإنه يوجد وصف أو اسم آخر للمال وهو أن النقد يحمل صفة المالية كبديل أو قل تنزيل لوجود المالية فإن المالية هي موجودة ميل الناس ورغباتهم للسلع اصالة وحقيقةً وليس لشيء آخر كأنه يريد أن يسرب الماء أو يأكل الطعام أو يلبس الملابس أو يسكن العمار أما هذا الورق المالي حتى لو كان ذهباً فليس مهماً عنده وإنما همه الأصلي هو حاجاته، فالمال من ميل الطباع والميول، فالمال في الحقيقة في السلع المحتاج إليها هي مال يعني تميل إليها الطباع وأما النقد سواء كان ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً يقال له مال فهو مال بالتبع لأنه لا تميل إليه الطباع بالأصالة، فمثلاً عالم الحيوانات لا يوجد عندها نقود وإنما الذي عندها الحاجة الاصلية لها فهي تميل إلى الشيء المالي لها، فإذا هذا النقد صفة المالية فيه مثل العارية.

فإذاً أن في البيع سلعة هي مرادة بالأصالة وهو المبيع وسلعة أخرى مرادة بالتبع وهو النقد أو الثمن، وكذلك الحال في الاجارة فإن المنفعة هي مرادة بالاصالة والاجرة مرادة بالتبع فإذاً في العقد كثيرا ما أو دوماً أحد الطرفين مراد بالاصالة والطرف الآخر مراد بالتبع فهل هذا هو المراد من التفكيك بين البائع والمشتري أو الاجير والمستأجر أو هو شيء آخر؟

مرَّ بنا أنَّ هناك تفسيراً آخر للبائع والمشتري أو الأصيل والبتع وهو أنَّ الفاعل للتمليك ايجاباً والمتملك منفعل مطاوع ويسمى قابل وهذا تعريف آخر للتفكيك بين البائع والمشتري، ففي المقايضات هي بيع حقيقةً أو اصلاً هي ليست ببيع؟ إنه يوجد اختلاف فإنَّ المقايضات التي هي في قديم زمان البشر أنَّ كل ذي حاجة يبذل حاجة في مقابلها ولا يوجد هناك وسيط مالي نقدي، نعم في القديم - وهذا مَّر بنا مراراً ولكنه قد ينسى - أنَّ بعض السلع التي هي ليست نقداً إذا كانت متوفرة وفرة كثيرة في بلد معين فهي تلقائياً تستخدم كوسيط نقدي، يعني أنَّ أي سلعة تتوفر بوفرة وافرة في بلد ما فإنها سوف تتخذ طابع الوسيط النقدي، ولماذا رياضياً - لأنَّ علم المال من العلوم الرياضية -؟ - ومعذرة نحن نتوسع لأنَّ التوسع في مناقشات المال لأنَّ بحث المعاملات قائم بالبحوث المالية فيلزم أن نتعرف على هذه الزوايا ولو كاطلاع ثقافي لغوي وإن لم يكن تخصصياً - فلماذا السلعة الوافرة تصير كأنما هي وسيط نقدي في كل بلد، بل يقال أكثر من ذلك وهو أنهم قالوا إما أن تكون هذه السلعة المتوفرة هي ميزان مالي وسطي فهي هكذا أمرها في علم المال أو قالوا هي السلعة الخطيرة وإن لم تكن متوفرة فإنَّ السلعة الخطيرة في أيّ بلد أو في العالم أيضاً لها شأن أن تكون ميزاناً مالياًن، وكلمة ميزاناً مالياً يعني أنها معيار وسطي مالي، والمعيار المالي تلقائياً هو يكون وسيطاً، الآن في العالم ملاص البترول لأهميته كالذهب ويسمونه بالذهب الأسود، وسبب تسميته بالذهب الأسود يعني أنه عملة نقدية دولية فهو يلحظ كمعيار وكوحدة لعالم المال ويقاس عليه بقية الماليات، إذاً إما خطورة السلعة أو وفرتها تجعلها ميزاناً مالياً، وهذه نكات لطيفة في عالم المال - أي دور المال - يعني أنَّ سلعاً كالبترول أو الذهب لا ينظر إليها كسلعة وإنما ينظر إليها كوسيطٍ مالي فهي لا تلحظ فيها ذاتها وإنما تلحظ فيها معياريتها المالية، وهذا ما نقلناه عن الشيخ الآراكي في المهور أو غير المهور حيث يفصّل بين النقد وغيره، فهنا كأنما يُنظَر إلى البترول نظرةً حرفيةً وليست موضوعية أي جهة الصفة المالية وليس من جهة الصفة الذاتية وإنما هو مرآة، وهذا مهم جداً في بحث التضخم فإنَّ بحث التضخم يبحث فيه ضمان التضخم وعدم ضمان التضخم ومن هو الضامن وتفاصيل صور كثيرة وهو مبحث عصري جديد وابتلائي، ومن احد الأشياء المؤثرة في بحث التضخم هو قضية الصفة المالية حيث تلحظ في السلع والاشياء فهل تلحظ السلع ذاتياً أو تلحظ بنحو المالية، وهذا مثل القطع حيث يقال القطع تارة يكون على نحو الموضوعية الصفتية وتارة يكون بنحو الطريقية فنفس الكلام يأتي هنا في السلع فهل لوحظت السلع بنحو الطريقية أي أن الملحوظ فيها هو المال لا سلعية السلع أو الملحوظ فيها هو سلعية السلعة. وهذه نكتة مهمة.

فلاحظ أنَّ بحوث المال تثري البحث المعاملي جداً، وبحث الربا أيضاً هكذا.

الآن إذا كان هناك بلد معيَّن عملته صار فيها تضخم يعني نزلت قيمتها وهذا التاجر ربح في العام الماضي مليوناً ولكنه في هذا العام ربح مليونين ولكن طرأ تضخم على العملة فنزلت قيمتها النصف فصارت قيمة المليون في العام الماضي هي نفس قيمة المليونين في هذا العام فهنا هل يجب عليه الخمس باعتبار أنه زاد عنده مليون أو أنه لا يجب عليه الخمس وهل هذه الزيادة هي زيادة صورية أو أنها زيادة حقيقية وهل هذا ربح أو أنه خسارة؟، فلاحظ أنَّ بحوث الربح والخسارة والمال والنظرة الاصلية والنظرة التبعية وغير ذلك كلها تتفرع على بحوث الصفة المالية ونظام المال كيف هو وما هي النظرة الاصلية والنظرة التبعية، فإنَّ كل هذه البحوث تنقح باب ما يرتبط بالمال، وباب المعاملات كله يرتبط بالمال، والخمس والزكاة مرتبطان بالمال أيضاً، والمهر في النكاح مرتبط بالمال أيضاً وهلم جرا. فإذاً هذا هو عالم المال والماليات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo