الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه
38/05/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة وجوب تعريف الخمس لليد السابقة /خمس الكنز / كتاب الخمس
ثانياً: وقد يستدل على ذلك من بعض الروايات:
منها: موثقة اسحاق بن عمّار المتقدمة فقد ورد فيها الأمر بتعريف المال فقد سُئِل الامام عليه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة, فلم تزل معه حتى قَدِم الكوفة, كيف يصنع بها؟ . قال عليه السلام: يسأل عنها اهل المنزل لعلّهم يعرفونها. قلت فان لم يعرفوها؟ قال عليه السلام: يتصدّق بها[1] .
ومنها: صحيح عبدالله بن جعفر قال: كتبت الى الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي, فلمّا ذبحها وَجَد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام: عرّفها البائع, فانْ لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إيّاه[2] .
ويرد على المعتبرتين:
1ـ انهما وردتا في اللقطة أو مجهول المالك بمعنى العلم بوجود مالك محترم للمال لأنّ الدار بمكّة ومكة يسكنها المسلمون ويحرم دخول الكفّار لها, فهما خارجتان عن موردنا وهو الكنز الذي يُحتمل انه قديم ولا نعلم انه لمالك محترم المال.
2ـ ان الروايتين يعمل بهما في موردهما وهو وجود دراهم في البيت ودينار أو درهم أو جوهرة في جوف البقرة أو الجزور.
وهذان الردان باطلان والحكم نعممّه حتى للكنز وذلك: لان ورود الرواية الاولى في اللقطة وكذا الثانية, الاّ ان ملاك التعريف هو كون الدراهم المدفونة والدينار والدرهم أو الجوهرة في جوف البقرة انما هو لليد عليها بالتبع[3] لا بالمباشرة على الملك, فتشمل ما نحن فيه.
اذن نكتة تعريف هذه الامور هو اليد على الشيء الموجود بالتبعية لا بالمباشرة أو قل لنكتة هي وجود شيء في جوف شيء وان لم تكن يدٌ على ما في الجوف ولا تبعية بين الشيء وما في داخله الاّ ان هذا يوجب تعريف المالك الذي انتقلت منه الأرض أو الدار لدلالة الروايتين على ذلك فان حصل لنا وثوق من تعريف الكنز له فالوثوق هو الذي يوجب علينا دفع الكنز أو الدراهم أو الجوهرة أو الدنانير أو الدرهم له. فان لم يعرفها نعرِّف الذي قبله, ولا يجعل اليد هذه حجّة, فاليد على الشيء بالتبع أو وجود شيء في جوف نعلم انه لا يعلم به مالك الظرف يكون منشئاً لإستحقاق التعريف ليس الاّ ولهذا سيكون الترتيب في التعريف واجباً بين اللاحق والسابق.
اذن ما ذكره صاحب العروة يكون صحيحاً بهذا الدليل بالدعوى التي ذكرت سابقاً من دون استناد الى هذه الروايات, فلاحظ.
الصورة الثالثة: لو لم نحتمل وجود مالك فعليّ للكنز كما اذا كان الكنز عتيقاً, فهنا يكون هذا الكنز لواجده ويجب فيه الخمس, وهذا هو الغالب من الكنوز التي يعلم انها لمالكين سابقين الذي فيه آثار قديمة في بلدة لم يسكنها متموّل في زماننا هذا, فنقطع بانها ليست للساكنين ولا لآبائهم ولا لأجدادهم.
ملحوظة: ما هو الفرق بين مجهول المالك واللقطة؟
اقول: انّ كلا العنوانين يشتركان في احتمال ان يكون المال لفرد خارجي محترم المال ويجب التعريف به, ولكن مجهول المالك اذا لم يُعرَف يتصدّق به عنه, امّا اللقطة فبعد التعريف وعدم المعرفة بالمالك يتملّكه اللاقط إن أراد.
وتوضيح ذلك: ان الفرق بين مجهول المالك واللقطة بعد ثبوت الفرق[4] في العنوان يكون في:
1ـ يجوز للملتقط ان يقصد حين الالتقاط تملّك المال بعد إنتهاء مدّة الفحص عن المالك.
وقالت الروايات: انّ آخذ اللقطة يعرّفها سنة فان جاء لها طالب والاّ فهي كسبيل ماله, ولكن لا يجوز ذلك في
مجهول المالك, فلا يجوز أخذه الاّ بنيّة الإحسان الى المالك بحفظه له وإيصاله اليه, ثم يتصدّق به عن مالكه بعد التعريف.
وعليه فلا يجوز أخذ المغصوب من الغاصب الاّ بنيّة إرجاعه الى صاحبه.
2ـ اللاقط اذا تملك اللقطة بعد التعريف ضمنها له مع المطالبة بها, للروايات الدالّة على ذلك. امّا مجهول المالك ففيه صورتان:
الصورة الأُولى: قد تكون اليد على مجهول المالك يدَ أمانةٍ فاذا تصدّق بها فلا يكون صاحب اليد ضامناً لا لأنّ الشارع أذن في التصرّف بمال الغير, فان هذا يرفع الحرمة التكليفيّة ولا يرفع الحكم بالضمان, بل لأنّ دليل الضمان هو:
أولاً: امّا قاعدة ضمان اليد, وهذه منتفية, لأنّ اليد هنا يد إحسان وليست معتدية.
ثانياً: واما قاعدة الاتلاف وهي: مَن أتلف مال الغير فهو له ضامن, وهذه ليست رواية, بل هي قاعدة متصيّدة فلا يمكن التمسّك بها في غير موردها.
ثم ان الإتلاف يقتضي الضمان اذا لم يكن التصرّف لنفع المالك, وهذا قد تصدّق بها عن المالك, فهو تصرّف لنفع المالك.
ثالثاً: وامّا ان يكون الضمان لدليل خاص: ولا يوجد دليل خاص معتبر على الضمان هنا.
ثم نقول: ان اطلاق التصرّف في مجهول المالك بعد التعريف يقتضي عدم الضمان ومع الشك في الاطلاق نرجع الى البراءة.
الصورة الثانية: وقد تكون اليد على مجهول المالك يد ضمان ثم تنقلب الى يد إحسان وأمانة, كمن أخذ المال بنيّة التملّك ثم نوى بعد ذلك حفظه لمالكه, ومثل ما اذا غصب المال ثم تاب وعزم على إرجاعه ولم يتمكّن من ذلك لكون المالك مجهولاً, فهنا أيضاً لا ضمان (وان قيل به) وذلك:
1ـ لإطلاق الروايات المتقدّمة الآمرة بالتصدّق بمجهول المالك, ولو كان هناك ضمان على المتصدّق لبيِّن.
2ـ لا يجوز للمالك الرجوع على الفقير, لأنّ الصدقة لا رجوع فيها حتى اذا كانت العين موجودة, لأنّ آخذ الصدقة هو الله وما كان للّه لا يُرجع.