< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

38/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مقدّمة الواجبِ عقليّةٌ دائماً

وأمّا مثل الوضوء ، فهل هو واجب غَيري شرعي أو عقلي أو ماذا ؟

الجواب : لا شكّ في أنّ الوضوء مستحب في نفسه لقوله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ ، قُلْ : هُوَ أَذًى ، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تـقرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابـينَ وَيُحِبُّ المُـتَطَهِّرِينَ (222) ﴾ [1] وللروايات المستـفيضة في ذلك من قبـيل أنه نور على نور وو ... ، ولكنْ هذه الأدلّةُ تـفيد استحباب الكون على طهارة ، وكلامنا الآن هو في الوجوب الشرعي أو العقلي للوضوء من حيثُ هو مقدّمة للواجب ، فأقول : لا شكّ في أنّ الوضوء هو مقدّمة عقليّة لتحصيل الطهارة ، وأنّ آية ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. ﴾[2] تدلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة ، وعليه فالوضوء هو مقدّمة عقليّة للطهارة ، والطهارةُ هي مقدّمة عقليّة خارجيّة للصلاة ـ كالسير إلى الحجّ ـ ، ولك أن تـقول أيضاً : الطهارة هي مقدّمةٌ شرعيّة خارجيّة للصلاة ، والتـقيّدُ بالطهارة هو شرط داخلٌ في الصلاة ـ كطهارة البدن واللباس واستـقبال القبلة ـ ، وإنما أرشدنا اللهُ إلى الوضوء ليقول لنا هذا هو الطريق لتحصيل الطهارة المعنويّة التي هي ـ أي التـقيّد بالطهارة ـ شرط داخل في الصلاة .

مقدّمة الواجبِ عقليّةٌ دائماً

لعلّ الكلام السابقَ لَفَتَك إلى أنّ المقدّمة الخارجيّة يجب أن تكون عقليّة دائماً ، سواء كان عقليّة بحتة ـ كالسير إلى الحجّ ـ وقد تكون عقليّة مَنشؤها الشرعُ ـ كالوضوء ـ ، فإنّ الوضوء هو ـ كما قلنا ـ مقدّمةٌ عقليّة لتوقّف تحقّقِ الكَونِ على الطهارة عليه ، ولكنْ أصْلُ تشريعِ هذه المقدّمة هو مِن عند الشارع المقدّس . وبـبـيانٍ أحسن نقول : الإتيانُ بمقدّمات الحجّ للتهيّؤ للإتيان بنفس الحجّ هو أمرٌ عقليٌّ بالإجماع والتسالم ، ولكنْ تـفاصيلُ هذه المقدّمة يجب أن يُرجَعَ فيها إلى الخبراء، فهُمُ الذين يُفَهِّمونك كيف تهيّئُ مقدّماتِ الحجّ لكي تصل إليه وترجع سالماً ، فيقولون مثلاً : إلتحق بقافلةٍ خبـيرة بذلك ، واعملْ جوازَ سفرٍ ، ولقِّحْ نفسَك باللقاحات المطلوبة عند الحكومة وو .. ، فتـفاصيلُ مقدّمات الحجّ إذن مرجعُها إلى الخبراء ، مع أنّ نفس هذه المقدّمات بنحو الإجمال ومع غضّ النظر عن التـفاصيل هي عقليّة ، كذلك الأمر تماماً بالنسبة إلى الوضوء ، فقد أرشدنا المولى تعالى إلى أننا إذا أردنا أن نكون على طهارة شرعيّة فعلينا أن نـتوضّأ بالطريقة الفلانية ، فصار علينا ـ بحكم العقل ـ إن أردنا أن نكون على طهارة أن نـتوضّأ ، لذلك نقول بأنّ الوضوء ـ بعد تشريع المولى تعالى له ـ صار مقدّمةً عقليّة لتحصيلِ الطهارة ، ويصحّ أن تـقول أيضاً : صار مقدّمةً متشرّعيةً لتحقيق الطهارة ، ولك أيضاً أن تـقول هو مقدّمة شرعيّة لتحصيل الطهارة ، وتعدّدُ هذه الصفات هو لتعدّد اللحاظات . وإنّ تشريع الوضوء بل كلّ الشرائع السماوية تنسجم تماماً مع الفطرة البشرية ـ وليست شرائعُ الله أمراً غريـباً عن الطبـيعة البشرية تعبّدنا اللهُ بها ـ ، عرفنا ذلك من خلال آية ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَةَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (30) ﴾[3] وكذلك الأمر بالنسبة إلى اشتراط الصلاة بالطهارة، فهو أمرٌ إخباري لا غير ، وهكذا الأمْرُ في كلّ العبادات الشرعيّة .

لكن متى تـتـّصف المقدّمةُ بالوجوب ، هل قبل المقدّمة ، أم بَعدَ حصول الغاية ؟

الجواب : لا شكّ أنّه قبل الإتيان بالمقدّمة يكون وجوبها من باب وجوب التهيُّؤ لامتـثال الواجب لا أكثر ، وبعد حصول الغاية لا يحكم العقلُ بوجوبها إلاّ من باب الإخبار فقط . إذن وجوب الإتيان بالمقدّمة لا يحكم به العقلُ إلاّ من باب وجوب التهيّؤ لا غير .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo