< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/12/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : موضوع الأحكام الشرعيّة ـ في مرحلة الثبوت والتصوّر ـ هو الكلّي الطبـيعي

وهنا لا بدّ مِن ذِكْرِ ملاحظةٍ نافعة وهي : إنّ التدقيق في المطلب يقتضي أن نقول : إنّ موضوع الأحكام الشرعيّة ـ في مرحلة الثبوت والتصوّر ـ هو الكلّي الطبـيعي ، وأمّا في مرحلة الإمتـثال فما يحصل في الخارج هو نفسُ الطبـيعة . وبـين الكلّي الطبـيعي والطبـيعة فرق ، فالكلّي الطبـيعي موجود في الذهن فقط ، ولا يوجَد في الخارجِ كلّيٌّ أصلاً ، والذي يوجَد في الخارج هو فقط الطبـيعة ـ كطبـيعة الإنسان الموجودة في زَيد وعَمْرو ـ فحينما يقول لنا المولى جلّ وعلا (صلِّ) فإنما يَطلب مِنّا إيجادَ طبـيعةِ الصلاة في الخارج ، وحينما نقول في علم المنطق (الكلّي الطبـيعي يوجَدُ بوجود أفراده) نقصد أنّ الذي يوجَد هو الطبائع والماهيّات الموجودة في الأفراد ، لا أنّ نفس الكلّي يوجَد في الخارج .

نعم ، المولى تعالى حين يَطلب منّا (الصلاةَ) ـ مثلاً ـ فهو تعالى ـ كأيّ مُقَـنّن ـ يَنظر إليها بنحو الكلّي الطبـيعي ، أي ينظر إليها في مرحلة التصوّر ـ أي قبل إنزال الحكمِ على قَلب رسول الله (ص) ـ كعنوان يَصلُحُ إيجادُ أفرادِه في الخارج ، ولكنه ـ في مرحلة الإمتـثال ـ لا يَطلب مِنّا إيجادَ نفس الكلّي في الخارج ، لأنه لا يمكن ، وإنما يَطلب منّا إيجادَ الطبـيعةِ في الخارج ، فإنّ الذي فيه مصلحةٌ أو مفسدةٌ هي الطبـيعة التي يوجِدها المكلّفُ في الخارج ، وليس الكلّيُّ الموجودُ في الذهن .

وعليه فيمكن تلخيصُ المطلَبِ بالكلمة التالية : الأحسنُ أن يُعَبَّرَ في العنوان السالف الذكر بالسؤال التالي : هل متعلّق الحكم الشرعي هو إيجاد الطبـيعة أو إيجاد بعض أفرادها ؟

والجواب : إنّ متعلّق التكليف في مرحلة التصوّر والتقنين هو الكلّي الطبـيعي ، ومتعلّقُ التكليف في مرحلة الإمتـثال هو نفس الطبـيعة ، وليس تصوّرُ الكلّي الطبـيعي إلاّ ضرورةً في مرحلتَي التصوّر والتقنين ، ولذلك يكون الكلّي الطبـيعي بمثابة المرآة التي يَرَى المقنّنُ من خلالها الطبائعَ فيأمرُ بإيجادها .

ومن فوائد هذا البحث ما سوف يظهر لك في مبحث اجتماع الأمر والنهي حينما نقول إنّ فلاناً الذي صلّى في المغصوب قد يقال بصحّة صلاته ، بذريعة أنّه لم يَرِدْ ـ في شروط الصلاة ـ أن يكون مكانُ الصلاة مباحاً ، وإنما كان الدليل على إباحة المكان عموماتِ (مال المسلم على المسلم حرام) و (لا يحلّ مال امرء مسلم إلاّ بطيـب نفسه) ، فقد يَتمسّكُ البعضُ بصحّة الصلاة في المكان المغصوب بحجّة أنّ المطلوب هو الإتيان بطبـيعة الصلاة ، والمفروضُ أنّ المكلّفَ قد أتَى بها ـ ولو ضِمن فردٍ محرَّم ـ إذن فيجب أن نصحّح الصلاةَ ، كما صحّحنا صلاةَ مَن كان يصلّي وهو ينظر إلى امرأة أجنبـية بشهوة .

وسوف نناقش في ذلك ، ويكفينا هنا أن نُبْطِلَ الصلاةَ في المكان المغصوب بكلمة واحدة وهي أنّ العبادة يجب أن تكون محبوبةً للمعبود ومقرّبةً له ، لأنّ قَوام العبادة بمحبوبـيتها ومقرّبـيتها ، وهكذا فردٌ لا يكون محبوباً ولا مقرّباً للمولى تعالى .

الموضوع : العموم والخصوص

تعريف العموم

لا شكّ أنك تعلم أنّ المراد من العموم هو التكثّر والشمول المفهومان من حاقّ اللفظ ، بخلاف الإطلاق الذي فهِمْنا منه التكثّرَ والشمول من التحليل العقلي للطبـيعة والتأمّلِ فيها وفي مرحلتَي الفعليّة والتـنجّز . فمثلاً : قولُ المتكلّم (أكرم جميعَ العلماء) أو (أكرم كلّ عالم) أو (أكرمِ العلماءَ) مغايرٌ لقوله (أكرم العالِمَ) ، فـ (جميعُ العلماء) تفيدُ التكثّرَ من حاقّ اللفظ ، أي أنّ المتكلّم في مرحلة التصوّر وقبل إصدار الكلمة تصوّرَ التكثّرَ أوّلاً ثم استعمل اللفظةَ المناسبة التي تفيد معنى التكثّر فقال (جميع العلماء)، و(العالِمُ) تفيد الشمولَ والتكثّر لكنْ بتحليل الطبـيعة والتأمّل فيها ...

ومن الواضح أنّ الدالّ على العموم هو كلمات (جميع) و (كلّ) و (سائر) ونحوها ، أو هيأة الجمع . وكلمات (جميع) و (كلّ) ونحوهما هي أسماء ، لذلك فهي تفيد الجمع بما هو مفهوم إسمي ، وأمّا كلمة (العلماء) ـ مثلاً ـ فهي تفيد الجمع لكنْ بالمعنى الحرفي ، لأنّ الجمع ناتج هنا من هيأة (الفُعَلاء) . ولا فائدة من النظر إلى هذه النقطة ، وإن كنّا سنـنظر فيها بعد قليل ـ لكنْ بإختصار ـ من باب متابعتهم في النقاط المبحوثة في هذا العلم .

ثم إنّ العموم ينقسم إلى الإستغراقي والبدلي والمجموعي ، فالإستغراقي هو من قبـيل (العلماء) ، والبدلي من قبـيل (أي عالم) ـ كما في قول الآمِرِ (أكرِمْ أيَّ عالِمٍ) ـ حيث لوحظ العمومُ البدلي في مرحلة التصوّر أي عند إرادة التقنين ، والعموم المجموعي من قبـيل (كل الصفّ وكلّ الجيش وكلّ الكتيـبة وكلّ الكتاب) التي يلاحَظُ فيها الكلّ في مرحلة التصوّر والتـقنين لكنْ مِن حيث هم مجموعة واحدة وقطعة واحدة ، بحيث لو لم يُكرم أحدَ أفرادِ الجيش لم يكن قد امتـثل أصلاً حتى ولو أكرمهم جميعاً إلاّ واحداً ، والفرقُ بـين ألفاظ العموم الإستغراقي والعموم البدلي والعموم المجموعي موجود في مرحلة الوضع ، بدليل أننا نلاحظ ذلك بالتبادر ، قبل مرحلة تعلّق الأمر بها .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo