< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الواجب المعلّق

الواجب المعلّق

قلنا أمس بأنّ نظريّة الواجب المعلّق هي لصاحب الفصول وقلنا إنه قال في بـيانها بأنّ الواجب المعلّق هو ما يتعلّق وجوبه بالمكلّف ويتوقّف حصوله على أمر غير مقدور له ، كالحجّ ، فإنّ وجوبه الفعلي يتعلّق بالمكلّف من أوّل زمان الإستطاعة ، ويتوقّف فِعْلُه على مجيء وقت الحجّ ، ومجيءُ وقتِ الحجّ ليس بمقدور الإنسان . والفرقُ بين الواجب المعلّق والوجوب المشروط ـ عنده ـ هو أنّ المتوقِّف في الإستطاعة هو الوجوب ـ كوجوب الحجّ ـ ، وأمّا في الواجب المعلّق فالوجوب فعليّ ـ وليس مشروطاً ـ والمتوقّفُ على مجيء الوقت هو الواجب ـ كالحجّ ـ .

وعليه فيجب على المكلّف من حين الإستطاعة أن يأتي بالحجّ لأنه صار فعليّاً عليه ، لكنْ في زمانه المناسب ، كما يجب على المكلّف ـ الموجود في مكان مغصوب ـ الذي زالت عليه الشمس أن يخرج من المكان المغصوب إلى مكان مباح ليصلّي لأنّ وجوب الصلاة صار فعليّاً عليه حتى وإن كان في الأرض المغصوبة .

وهذا يعني أنه إذا وجب الحجّ فِعلاً قبل مجيء وقته فوجوبُه الفعلي يكون مشروطاً بـبقاء المكلّف حيّاً إلى زمان الحجّ ، فإن كان وجوب الحجّ الفعلي مشروطاً بـبقائه حيّاً إلى زمان الحجّ فهذا يعني فعليّة الحجّ من حين الإستطاعة .

وبتعبـير آخر : يقول صاحب الفصول : إنه إذا بقي حيّاً إلى موسم الحجّ كَشَفَ ذلك عن وجوبه الفعلي الواقعي عليه ، وإن مات كُشِف عن عدم وجوبه الفعلي الواقعي عليه من أيام الإستطاعة .

ثم قال صاحب الفصول بأنه ممّا حقق يتبـيّن لك الفرق بين الواجب المعلّق والوجوب المشروط ، فإنّ الوجوب المشروط يكون مشروطاً ومعلّقاً على حصول الإستطاعة ويكون التكليف فعليّاً ـ إحتمالاً ـ من أيام الإستطاعة فيجب تهيئة مقدّمات الحجّ من أيام الإستطاعة لاحتمال بقائه حيّاً وقادراً إلى موسم الحجّ ، ففرقٌ بين أن تقول (إذا جاء وقت الزوال وجبت الصلاة عن طهارة) ـ فلا تجب تهيئة الطهارة قبل الزوال حتى ولو كنت تحتمل عدم التمكّن من تحصيلها بعد الزوال ـ وبين أن تقول (تجب الصلاة عن طهارة فعلاً الآن ، لكن في وقت الزوال) ـ فتجب ح تهيئة الطهارة قبل الزوال إن كان يوجد خوف من عدم التمكّن من تحصيلها بعد الزوال ـ .

وتظهر الـثمرة في وجوب المقدّمات المـفوّتة التي يؤتَى بها قبل الحجّ ـ كالسير إلى الحجّ ـ ، فعلَى القول بكون وجوب الحجّ فعلياً من حين الإستطاعة يجب الإتيان بالمقدّمات ـ على تقدير إتيانه بالحجّ ـ لإطلاق الأمر ح بالحجّ ، فيصحّ قصْدُ القربةِ بالمقدّمات، ويصحّ إيقاعُها على وجه الوجوب ، بخلاف ما لو قلنا بعدم الوجوب الفعلي للحجّ من حين الإستطاعة وأنّ الفعليّة تَـتِمّ إذا بقي حـيّاً [1] .

أقول : لا شكّ أنّ الحقّ مع صاحب الفصول في كلّ ما قال ـ كما ذهب إلى ذلك جمعٌ من الأعلام كصاحب الكفاية والسيد الخوئي، وخالفنا البعضُ الآخر كالمحقّق النائيني والسيد الشهيد الصدر ـ ، أمّا الوجوبان المطلق والمشروط فأمران واضحان ، لكن يجب أن تكون كلّ الواجبات الشرعيّة مشروطة ـ إرتكازاً ـ بـبقاء الإنسانِ حيّاً وقادراً إلى آخر وقت الواجب ، بمعنى أنّ فعليّة الواجبات الشرعيّة مشروطةٌ ـ إرتكازاً ـ بـبقاء الإنسان حيّاً وقادراً إلى آخر وقت إنجازها ، وإلاّ فلو صلّى الشخصُ في أوّل وقت الفريضة ومات إثناءها فإنّه لا يجب على الولد الذكر الأكبر أن يقضي عن أبـيه صلاتَه هذه ، لأننا استكشفنا أنّ الصلاة لم تَصِرْ فعليّةً على الأب . وبتعبـير أدقّ : الوجوبُ فعليّ من حين الإستطاعة ، لكن على المستوى الظاهري ، فنحن ـ الجاهلون بالغَيب ـ نقول الوجوبُ فعلي فنعمل على هذا الأساس من باب الإحتياط واحتمال بقائنا أحياء إلى آخر وقت الواجب ، فنهيّئ مقدّمات الحجّ ، لكن على مستوى الواقع فإننا نـنـتظر إلى آخر وقت العمل ، فإن بقي الشخصُ حياً وقادراً فإننا نستكشف أنّ العمل كان فعليّاً عليه واقعاً ، وإن مات أو عجز استكشفنا أنّ الفعل لم يكن عليه فعليّاً واقعاً .

أمّا في غير قضيّة بقائه حيّاً وقادراً إلى آخر الواجب الشرعي ، فلا شكّ في صحّة ما ذكره صاحب الفصول أيضاً من الفرق بين الواجب المعلّق والوجوب المشروط ، فمثلاً : لا شكّ في وجود فرقٍ بين قولك لمن اقتَرَضَ منك (إن صار معك مالٌ فاقضِ ما لي عليك من دَين) ـ في الوجوب المشروط ـ وبين قولك له (إدفع لي دَيني بعد يومين ولو بأن تقترض) ـ في الواجب المعلّـ، فالأوّل الوجوب مشروط ، والثاني الواجب معلّق ، والوجوب في الواجب المعلّق مطلقٌ وفعليّ .

ثم إنك تعلم أنّ من فوائد الوجوب الفعلي من حين الإستطاعة ، مع أنّ الواجب معلّقٌ على مجيء وقته ـ هو وجوب تحرّك العبد ـ إحتياطاً ـ نحو تهيئة مقدّمات الواجب قبل فوات الأوان ، كأن يغتسل من الجنابة مثلاً قبل طلوع الفجر .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo