< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : كلام الشيخ الطوسي في التعارض

فأمّا الأخبارُ (يقصد المعتبرة الأسانيد) إذا تعارضت وتقابلت ، فإنه يُحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح ، والترجيحُ يكون بأشياء :

منها : أن يكون أحد الخبرين موافقاً للكتاب أو السُّنَّة المقطوعِ بها ، والآخرُ مخالفاً لهما ، فإنه يجب العمل بما وافقهما وترْكُ العملِ بما خالفهما .

وكذلك إن وافق أحدُهما اجماعَ الفرقة المحقة ، والآخرُ يخالفُه ، وجب العمل بما يوافق إجماعَهم ويُترَك العملُ بما يخالفه .

فإنْ لم يكن مع أحد الخبرين شيءٌ من ذلك ، وكانت فتيا الطائفة مختلفةً ، نُظِرَ في حال رواتهما ، فما كان راويه عدْلاً وجب العمل به وتَرْكُ العملِ بما لم يروه العدلُ ، وسنبين القول في العدالة المراعاة في هذا الباب . (وهذا يعني تقديمَ الرواية الصحيحة على الرواية الموثّقة ، وهذا ممكن جدّاً ، ولكن لا دليل عليه) .

فإن كان رواتهما جميعاً عَدْلين ، نُظِرَ في أكثرهما رواةً عُمِلَ به وتُرِكَ العملُ بقليل الرواة ، (هذا الكلام ممكن الصحّة جدّاً ، ولكن لا دليلَ عليه أيضاً ، إلاّ إذا أورثتِ الكثرةُ الإطمئنانَ) ،

فإن كان رواتُهما متساويَين في العدد والعدالة ، عُمِلَ بأبْعَدِهما مِن قولِ العامَّةِ ويُترَكُ العملُ بما يوافقهم . (هذا صحيح بإجماع الطائفة) .

وإنْ كان الخبران يوافقان العامَّة أو يخالفانها جميعاً نُظِرَ في حالهما : فإنْ كان متى عُمِلَ بأحد الخبرين أمكن العملُ بالخبر الآخر على وجهٍ من الوجوه وضربٍ من التأويل ، وإذا عُمِلَ بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر (كما إذا جاءنا خبر يقول "في حال الشكّ بالطهارة ولم يكن هناك حالة سابقة فابْنِ على الطهارة" ، وجاءنا خبر آخر يقول "في حال الشكّ بالطهارة وكان هناك حالة سابقة فابْنِ على بقاء الحالة السابقة" ، ثم شككنا في طهارة ماء الخزّان الموجود على السطح ، فبنينا على طهارته لعدم علمنا بالحالة السابقة للماء ، وكان عندنا ثوب متنجّس ، فغسلنا الثوبَ بماء الخزّان الذي بَنَينا على طهارته بقاعدة الطهارة ، فإننا بذلك نُلغي العملَ باستصحاب نجاسة الثوب في هكذا حالة فقط ، ولا نكون قد ألغينا الإستصحابَ من أصله ، أمّا لو استصحبنا بقاءَ نجاسة الثوب ـ رغم غسْلِه بالماء المبنيّ على طهارته بقاعدة الطهارة ـ فإنّ هذا يعني إلغاءَ قاعدةِ الطهارة من الأصل ، لأنّ قاعدة الطهارة ستكون بلا فائدة أصلاً ، فإذن الأوّلُ هو الصحيح لأنّ إجراء قاعدة الطهارة لم تُلغِ الإستصحابَ من الأصل ، أمّا لو أجرينا الإستصحابَ فإننا نكون قد ألغينا قاعدةَ الطهارة الشرعيّة من الأصل ، ويسمّون قاعدة الطهارة هنا بالأصل السببي ، والإستصحاب بالأصل المسبَّبي ، ففي هكذا حالةٍ :) وجَبَ العملُ بالخبر الذي يمكن مع العمل به العملُ بالخبر الآخر ، لأنّ الخبرين جميعاً منقولان مجمعٌ على نقلهما ، وليس هناك قرينةٌ تدل على صحة أحدهما ، ولا ما يرجَّحُ أحدُهما به على الآخر ، فينبغي أن يُعمل بهما إذا أمكن ، ولا يُعمل بالخبر الذي إذا عُمِلَ به وجب اطراحُ العملِ بالخبر الآخر . وإن لم يمكن العمل بهما جميعاً لتضادِّهِما وتنافيهما وأمكن (هذا مِن سَهْوِ القَلَمِ ، والصحيحُ : ولم يمكن) حمْلُ كلِّ واحدٍ منهما على ما يوافق الخبرَ الآخر على وجه ، كان الانسانُ مخَيَّراً في العمل بأيِّهِما شاء . (أقول : لا دليل على صحّة التخيـير) .

وأما العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر فهو أن يكون الراوي معتقداً للحقّ ، مستبصِراً ، ثِقَةً في دِينه ، متحَرِّجاً مِنَ الكذب غيرَ متَّهَمٍ فيما يرويه ، فأمّا إذا كان مخالفاً في الإعتقاد لأصل المذهب ورَوَى مع ذلك عن الأئمة )عليه السلام) نُظِرَ فيما يرويه : فإن كان هناك مِن طُرُقِ الموثوقِ بهم ما يخالفه وجب اطِّراحُ خَبَرِه ، وإن لم يكن هناك ما يوجب اطِّراحَ خَبَرِه ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وإن لم يكن من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضاً العمل به ، لما رُوِيَ عن الصادق(عليه السلام) أنه قال : ( إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رُوِيَ عَنّا فانظروا إلى ما رَوَوه عن عليّ (عليه السلام) فاعملوا به ( ، ولأجْلِ ما قلناه عملت الطائفةُ بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرُهم من العامّة عن أئمتنا (عليهم السلام) فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه .

وأمّا إذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية وغيرهم نُظِرَ فيما يرويه : فإن كان هناك قرينةٌ تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم ، وجب العملُ به ، وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين ، وجب اطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة (أي يجب تقديم الرواية الصحيحة على الرواية الموثّقة ، وليس على كلامه دليل إلاّ إذا ادّعى سيرة المتشرّعة ، ولم تَثبت عندنا) ، وإنْ كان ما روَوه ليس هناك ما يخالفه ولا يُعرَفُ من الطائفة العملُ بخلافه ، وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرِّجاً في روايته موثوقاً في أمانته، (حتى) وإن كان مخطئاً في أصل الإعتقاد . ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره ، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطاطريون وغيرهم ، فيما لم يكن عندهم فيه خلافه .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo